هذه مخاطبة من موسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل مبينا لهم، وقوله تعالى: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً بمعنى وسع علمه كل شيء. وعِلْماً تمييز، وهذا كقوله تفقأت شحما وتصببت عرقا، والمصدر في الأصل فاعل ولكن يسند الفعل إلى غيره وينصب هو على التمييز، وقرأ مجاهد وقتادة «وسّع كل شيء» بفتح السين وشدها بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات، وقوله تعالى: كَذلِكَ نَقُصُّ مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل هذا في خبر العجل كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ فكأنه قال هكذا نقص عليك فكأنها تعديد نعمته، وقوله ما قَدْ سَبَقَ يريد به ما قد سبق مدة محمد صلى الله عليه وسلم، و «الذكر» القرآن، وقرأت فرقة «يحمّل» بفتح الميم وشدها. وقوله مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ يريد بالكفر به والتكذيب له، و «الوزر» الثقل وهو هاهنا ثقل العذاب بدليل قوله تعالى:
خالِدِينَ فِيهِ وحِمْلًا تمييز، ويَوْمَ ظرف، ويَوْمَ الثاني بدل منه وقرأ الجمهور «ينفخ» بضم الياء وبناء الفعل للمفعول، وقرأت فرقة «ينفخ» بفتح الياء وبناء الفعل للفاعل، أي ينفخ الملك. وقرأ أبو عمرو وحده «ننفخ» بالنون أي بأمرنا وهذه القراءة تناسب قوله وَنَحْشُرُ. وقرأ الجمهور «في الصور» بسكون الواو، ومذهب الجمهور أنه القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل وبهذا جاءت الأحاديث، وقالت فرقة «الصور» جمع صورة كثمرة وثمر. وقرأ ابن عياض «ينفخ في الصور» بفتح الواو وهذه صريحة في بعث الأجساد من القبور، وقرأت فرقة هي الجمهور «ونحشر» بالنون، وقرأت فرقة «ويحشر» بالياء، وقرأت فرقة «ويحشر» بضم الياء «المجرمون» على المفعول الذي لم يسم فاعله، وهي قراءة مخالفة لخط المصحف وقوله: زُرْقاً اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة يحشرهم أول قيامهم سود الألوان زرق العيون تشويه ما ثم يعمون بعد ذلك وهي مواطن، وقالت فرقة إنهم يحشرون عطاشا والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض فكأنهم بيض سواد عيونهم من شدة العطش، وقالت فرقة أراد زرق الألوان وهي غاية في التشويه لأنهم يجيئون كلون الرماد، ومهيع كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق ومنه زرقة الماء قال الشاعر:
[زهير بن أبي سلمى][الطويل]
فلما وردن الماء زرقا جمامه ... وضعن عصي الحاضر المتخيم