اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: الَّذِينَ يَفْرَحُونَ فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وابن زيد وجماعة: الآية نزلت في المنافقين، وذلك أنهم كانوا إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم للغزو تخلفوا عنه، فإذا جاء اعتذروا إليه وقالوا: كانت لنا أشغال ونحو هذا، فيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبول ويستغفر لهم، ففضحهم الله تعالى بهذه الآية، فكانوا يفرحون بما يأتونه ويفعلونه من التخلف والاعتذار، ويحبون أن يقال لهم: إنهم في حكم المجاهدين لكن العذر حبسهم، وقالت جماعة كثيرة من المفسرين إنما نزلت الآية في أهل الكتاب أحبار اليهود ثم اختلفوا فيما هو الذي أتوه وكيف أحبوا المحمدة فقال ابن عباس رضي الله عنه: أتوا إضلال أتباعهم عن الإيمان بمحمد وفرحوا بذلك لدوام رياستهم الدنيوية، وأحبوا أن يقال عنهم: إنهم علماء بكتاب الله ومتقدم رسالاته، وقال ابن عباس أيضا والضحاك والسدي: أتوا أنهم تعاقدوا وتكاتبوا من كل قطر بالارتباط إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته، وأحبوا أن يقال عنهم: إنهم أهل صلاة وصيام وعبادة، وقالوا هم ذلك عن أنفسهم، وقال مجاهد: فرحوا بإعجاب أتباعهم بتبديلهم تأويل التوراة، وأحبوا حمدهم إياهم على ذلك، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا نافعا ولا صحيحا بل الحق أبلج، وقال سعيد بن جبير: الآية في اليهود، فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوءة والكتاب، فهم يقولون: نحن على طريقهم ويحبون أن يحمدوا بذلك وهم ليسوا على طريقتهم، وقراءة سعيد بن جبير:«أوتوا» بمعنى أعطوا بضم الهمزة والتاء، وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال. وقال ابن عباس أيضا: إن الآية نزلت في قوم سألهم النبي عليه السلام عن شيء فكتموه الحق وقالوا له غير ذلك، ففرحوا بما فعلوا وأحبوا أن يحمدوا بما أجابوا، وظنوا أن ذلك قد قنع به واعتقدت صحته، وقال قتادة: إن الآية في يهود خيبر، نافقوا على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين مرة، وقالوا: نحن معكم وعلى رأيكم وردء لكم وهم يعتقدون خلاف ذلك، فأحبوا الحمد على ما أظهروا وفرحوا بذلك، وقال الزجّاج: نزلت الآية في قوم من اليهود، دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه في أشياء ثم خرجوا، فقالوا لمن لقوا من المسلمين: إن النبي أخبرهم بأشياء قد عرفوها فحمدهم المسلمون على ذلك وطمعوا بإسلامهم وكانوا قد أبطنوا خلاف ما أظهروا