لا يعارضه قوله كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء: ٩٧] لأن المعنى لا يخفف عنهم نوع عذابهم والنوع في نفسه يدخله أن يخبو أو يسعر ونحو ذلك، وقرأ جمهور القراء، «نجزي» بنصب «كلّ» وبالنون في «نجزي» ، وقرأ أبو عمرو ونافع «يجزى» بضم الياء على بناء الفعل للمفعول «كلّ كفور» برفع «كلّ» ، ويَصْطَرِخُونَ يفتعلون من الصراخ أصله يصترخون فأبدلت التاء طاء لقرب مخرج الطاء من الصاد، وفي الكلام محذوف تقديره يقولون رَبَّنا وطلبوا الرجوع إلى الدنيا في مقالتهم هذه فالتقدير فيقال لهم أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ على جهة التوقيف والتوبيخ، وما في قوله ما يَتَذَكَّرُ ظرفية، واختلف الناس في المدة التي هي حد للتذكير، فقال الحسن بن أبي الحسن: البلوغ، يريد أنه أول حال التذكر، وقال قتادة: ثمان عشرة سنة، وقالت فرقة: عشرون سنة، وحكى الزجاج: سبع عشرة سنة، وقال ابن عباس: أربعون سنة، وهذا قول حسن، ورويت فيه آثار، وروي أن العبد إذا بلغ أربعين سنة ولم يتب مسح الشيطان على وجهه وقال بابي وجه لا يفلح، وقال مسروق بن الأجدع: من بلغ أربعين سنة فليأخذ حذره من الله ومنه قول الشاعر: [الطويل]
إذا المرء وفّى الأربعين ولم يكن ... له دون ما يأتي حياء ولا ستر
فدعه ولا تنفس عليه الذي ارتأى ... وإن جر أسباب الحياة له العمر
وقد قال قوم: الحد خمسون سنة وقد قال الشاعر: [الوافر]
أخو الخمسين مجتمع أشدي ... ونجدني مداومة الشؤون
وقال الآخر:[الطويل]
وإن أمرأ قد سار خمسين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب
وقال ابن عباس أيضا وغيره: الحد في ذلك ستون وهي من الأعذار، وهذا أيضا قول حسن متجه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إذا كان يوم القيامة نودي أين أبناء الستين» وهو العمر الذي قال الله فيه ما يتذكر فيه من تذكر، وقال صلى الله عليه وسلم:«عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر» ، وقرأ جمهور الناس «ما يتذكر فيه من تذكر» ، وقرأ الأعمش «ما يذكر فيه من أذكر» ، والنَّذِيرُ في قول الجمهور الأنبياء وكل نبي نذير أمته ومعاصره، ومحمد صلى الله عليه وسلم نذير العالم في غابر الزمان، وقال الطبري وقيل النَّذِيرُ الشيب وهذا قول حسن، إلا أن الحجة إنما تقوم بالنذارة الشرعية وباقي الآية بين.