للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسكينها لتلك الهدنة مع قريش حتى اطمأنت، وعلموا أن وعد الله على لسان رسوله حق فازدادوا بذلك إيمانا إلى إيمانهم الأول وكثر تصديقهم. قال ابن عباس: لما آمنوا بالتوحيد زادهم العبادات شيئا شيئا.

فكانوا يزيدون إيمانا حتى قال لهم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] فمنحهم أكمل إيمان أهل السماوات والأرض لا إله إلا الله. وفسر ابن عباس السَّكِينَةَ بالرحمة.

وقوله: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إشارة إلى تسكين النفوس أيضا وأن تكون مسلمة، لأنه ينصر متى شاء وعلى أي صورة شاء مما لا يدبره البشر، ومن جنده: السَّكِينَةَ التي أنزلها في قلوب أصحاب محمد فثبت بصائرهم.

وقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ أي كان ويكون، فهي دالة على الوجود بهذه الصفة لا معينة وقتا ماضيا.

والعلم والإحكام: صفتان مقتضيتان عزة النصر لمن أراد الموصوف بهما نصره.

قوله عز وجل:

[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٥ الى ٧]

لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)

قوله تعالى: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ [الفتح: ٤] معناه: فازدادوا وتلقوا ذلك. فتمكن بعد ذلك قوله: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ أي بتكسبهم القبول لما أنزل الله عليهم. ويروى في معنى هذه الآية أنه لما نزلت: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: ٩] تكلم فيها أهل الكتاب وقالوا: كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به وبالناس معه؟ فبين الله في هذه السورة ما يفعل به بقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢] فلما سمعها المؤمنون، قالوا: هنيئا مريئا، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إلى قوله: وَساءَتْ مَصِيراً فعرفه الله تعالى ما يفعل به وبالمؤمنين والكافرين. وذكر النقاش أن رجلا من عك قال: هذه لك يا رسول الله، فما لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي لي ولأمتي كهاتين» ، وجمع بين أصبعيه.

وقوله: وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ فيه ترتيب الجمل في السرد لا ترتيب وقوع معانيها، لأن تكفير السيئات قبل إدخالهم الجنة.

وقوله: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ قيل معناه من قولهم: لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ [الفتح: ١٢] ، فكأنهم ظنوا بالله ظن السوء في جهة الرسول والمؤمنين، وقيل: ظنوا بالله ظن سوء، إذ هم يعتقدونه بغير صفاته، فهي ظنون سوء من حيث هي كاذبة مؤدية إلى عذابهم في نار جهنم.

وقوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ كأنه يقوي التأويل الآخر، أي أصابهم ما أرادوه بكم، وقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>