وقرأ الجمهور بفتح النون من «إناه» وأمالها حمزة والكسائي، ثم أكد المنع وحصر وقت الدخول بأن يكون عند الإذن، ثم أمر تعالى بعد الطعام بأن يفترق جمعهم وينتشر، وقوله وَلا مُسْتَأْنِسِينَ عطف على قوله غَيْرَ ناظِرِينَ وغَيْرَ منصوبة على الحال من الكاف والميم في لَكُمْ أي ناظرين ولا مستأنسين، وقرأ ابن أبي عبلة «غير» بكسر الراء وجوازه على تقدير «غير ناظرين إناه أنتم» ، وقرأ الأعمش «آناءه» على جمع «أنى» بمدة بعد النون، وقرأت فرقة «فيستحيي» بإظهار الياء المكسورة قبل الساكنة، وقرأت فرقة «فيستحيي» بسكون الياء دون ياء مكسورة قبلها، وقوله وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي معناه لا يقع منه ترك قوله الْحَقِّ ولما كان ذلك يقع من البشر لعلة الاستحياء نفي عن الله تعالى العلة الموجبة لذلك في البشر، وقوله تعالى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً الآية هي آية الحجاب، و «المتاع» عام في جميع ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا، وقوله ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النّساء وللنساء في أمر الرجال، وقوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية روي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال: لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأذى به، هكذا كنى عنه ابن عباس ببعض الصحابة، وحكى مكي عن معمر أنه قال هو طلحة بن عبيد الله.
قال الفقيه الإمام القاضي: لله در ابن عباس، وهذا عندي لا يصح على طلحة، الله عاصمه منه، وروي أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة وحفصة بعد خنيس بن حذافة ما بال محمد يتزوج نساءنا والله لو مات لأجلنا السهام على نسائه فنزلت الآية في هذا، وحرم الله تعالى نكاح أزواجه بعده وجعل لهن حكم الأمهات، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثم رجعت زوج عكرمة بن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجها ولم يبن بها فصعب ذلك على أبي بكر الصديق وقلق منه فقال له عمر:
مهلا يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنه لم يخيرها ولا أرخى عليها حجابا وقد أبانتها منه ردتها مع قومها، فسكن أبو بكر، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم منها مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة فصنعه عمر، وروي أن ذلك صنع في جنازة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً توبيخ ووعيد لمن تقدم به التعريض في الآية قبلها ممن أشير إليه بقوله ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ [الأحزاب: ٥٣] ومن أشير إليه في