للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك عليّ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أنا أمرنا أن نقوم قانتين لا نتكلم في الصلاة» ، والقنوت السكوت، وقاله زيد بن أرقم، وقال: «كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، فأمرنا بالسكوت» ، وقال مجاهد: «معنى قانتين خاشعين، القنوت طول الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح» .

قال القاضي أبو محمد: وإحضار الخشية والفكر في الوقوف بين يدي الله تعالى، وقال الربيع:

«القنوت طول القيام وطول الركوع والانتصاب له» ، وقال قوم: القنوت الدعاء، وقانِتِينَ معناه داعين، روي معنى هذا عن ابن عباس، وفي الحديث: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على رعل وذكوان، فقال قوم: معناه دعا، وقال قوم: معناه طوّل قيامه، ولا حجة في هذا الحديث لمعنى الدعاء.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٩]]

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)

أمر الله تعالى بالقيام له في الصلاة بحالة قنوت، وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح، وهذا على الحالة الغالبة من الأمن والطمأنينة، ثم ذكر تعالى حالة الخوف الطارئة أحيانا، فرخص لعبيده في الصلاة رجالا متصرفين على الأقدام، ورُكْباناً على الخيل والإبل، ونحوه إيماء وإشارة بالرأس حيث ما توجه، هذا قول جميع العلماء وهذه هي صلاة الفذ الذي قد ضايقه الخوف على نفسه في حال المسايفة أو من سبع يطلبه أو عدو يتبعه أو سيل يحمله، وبالجملة فكل أمر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته هذه الآية، وأما صلاة الخوف بالإمام وانقسام الناس فليس حكمها في هذه الآية، وفرق مالك رحمه الله بين خوف العدو المقاتل وبين خوف السبع ونحوه بأن استحب في غير خوف العدو الإعادة في الوقت إن وقع الأمن، وأكثر فقهاء الأمصار على أن الأمر سواء، وقوله تعالى فَرِجالًا هو جمع راجل أو رجل من قولهم رجل الإنسان يرجل رجلا إذا عدم المركب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل ورجل» بضم الجيم وهي لغة أهل الحجاز، يقولون مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا، حكاه الطبري وغيره ورجلان ورجيل، ورجل وأنشد ابن الأعرابي في «رجلان» : [الطويل]

عليّ إذا لاقيت ليلى بخلوة ... أن ازدار بيت الله رجلان حافيا

ويجمع على رجال ورجيلى ورجالى ورجّالى ورجّالة ورجّال ورجالي ورجلان ورجلة ورجلة ورجلة بفتح الجيم وأرجلة وأراجل وأراجيل، والرجل الذي هو اسم الجنس يجمع أيضا على رجال، فهذه الآية وقوله تعالى: يَأْتُوكَ رِجالًا [الحج: ٢٧] هما من لفظ الرجلة أي عدم المركوب، وقوله تعالى شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [البقرة: ٢٨٢] فهو جمع اسم الجنس المعروف، وحكى المهدوي عن عكرمة وأبي مجلز أنهما قرآ «فرجّالا» بضم الراء وشد الجيم المفتوحة، وعن عكرمة أيضا أنه قرأ «فرجالا» بضم الراء وتخفيف الجيم، وحكى الطبري عن بعضهم أنه قرأ «فرجّلا» دون ألف على وزن فعل بضم الفاء وشد العين، وقرأ جمهور القراء «أو ركبانا» وقرأ بديل بن ميسرة «فرجالا فركبانا» بالفاء، والركبان جمع

<<  <  ج: ص:  >  >>