وقال منذر بن سعيد: إن المعنى هو القسم بجهنم وسماها بحرا لسعتها وتموجها كما قال صلى الله عليه وسلم في الفرس: «وإن وجدناه لبحر» والقسم واقع على قوله: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ويريد عذاب الآخرة للكفار. قال قتادة: والعامل في: يَوْمَ «واقع» ويجوز أن يكون العامل فيه دافِعٍ، والأول أبين. وقال مكي: لا يعمل فيه دافِعٍ. و: تَمُورُ معناه: تذهب وتجيء بالرياح متقطعة متفتتة، والغبار الموار: الذي يجتمع ويذهب ويجيء بالريح، ثم هو كله إلى الذهاب، ومنه قول الأعرابي:
وغادرت التراب مورا يصف سنة قحط. وأنشد معمر بن المثنى بيت الأعشى:[البسيط] مور السحابة لا ريث ولا عجل أراد مضيها، وقال الضحاك: تَمُورُ تموج. وقال مجاهد: تدور. وقال ابن عباس: تشقق، وهذه كلها تفاسير بالمعنى، لأن السماء العلو يعتريها هذا كله، وسير الجبال هو في أول الأمر، ثم تتفتت أثناء السير حتى تصير آخرا كالعهن المنفوش والفاء في قوله: فَوَيْلٌ عاطفة جملة على جملة وهي تتضمن ربط المعنى وتأكيده وإثبات الويل للمكذبين. والويل: السوء والمشقة والهم الأطول، ويروى أن في جهنم واديا يسمى: ويلا والخوض التخبط في الأباطيل، يشبه بخوض الماء، ومنه قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا [الأنعام: ٦٨] و: يَوْمَ الثاني بدل من: يَوْمَئِذٍ و: يُدَعُّونَ قال ابن عباس معناه: يدفعون في أعناقهم بشدة وإهانة وتعتعة، ومنه قوله تعالى: يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون: ٢] وفي الكلام محذوف مختصر تقديره: يقال لهم هذه النار، وإخبارهم بهذا على جهة التوبيخ والتقريع وقرأ أبو رجاء العطاردي:«يوم يدعون إلى نار جهنم» من الدعاء بسكون الدال وفتح العين.
لما قيل لهم هذه النار، وقفوا بعد ذلك على الجهتين التي يمكن منها دخول الشك في أنها النار وهي إما أن يكون ثم سحر يلبس ذات المرء، وإما أن يكون في بصر الناظر اختلال، وأمرهم بصليها على جهة التقريع، ثم قيل لهم على جهة قطع رجائهم: اصبروا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ أي عذابكم حتم، فسواء جزعكم وصبركم لا بد من جزاء أعمالكم. وقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ الآية يحتمل أن يكون خطاب أهل النار، فيكون إخبارهم بذلك زيادة في غمهم وسوء حالهم، ويحتمل وهو الأظهر أن يكون إخبارا لمحمد صلى الله عليه وسلم ومعاصريه لما فرغ من ذكر عذاب الكفار عقب ذلك بنعيم