تعديدها، وهذه إشارة إلى المن والسلوى، وطيبات الشام بعد، إذ هي الأرض المباركة، وقد تقدم القول في معنى الطَّيِّباتِ، وتلخيص قول مالك والشافعي في ذلك.
وقوله تعالى: عَلَى الْعالَمِينَ يريد على عالم زمانهم. والبينات من الأمر: هو الوحي الذي فصلت لهم به الأمور.
ثم أوضح تعالى خطأهم وعظمه بقوله: فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وذلك أنهم لو اختلفوا اجتهادا في طلب صواب لكان لهم عذر في الاختلاف، وإنما اختلفوا بغيا وقد تبينوا الحقائق، ثم توعدهم تعالى بوقف أمرهم على قضائه بينهم يوم القيامة.
قوله عز وجل:
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٨ الى ٢١]
ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١)
المعنى: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ، فلا محالة أنه سيختلف عليك كما تقدم لبني إسرائيل فاتبع شريعتك، والشريعة في كلام العرب: الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه ومنه قول الشاعر:
[البسيط] .
وفي الشرائع من جلان مقتنص ... رث الثياب خفيّ الشخص منسرب
فشريعة الدين هي من ذلك، كأنها من حيث يرد الناس أمر الحدود ورحمته والقرب منه. وقال قتادة:
الشريعة: الفرائض والحدود والأمر والنهي.
وقوله: مِنَ الْأَمْرِ يحتمل أن يكون واحد الأمور أي من دون الله ونبواته التي بثها في سالف الزمان، ويحتمل أن يكون مصدرا من أمر يأمر، أي على شريعة من الأوامر والنواهي، فسمى جميع ذلك أمرا. والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ هم الكفار الذين كانوا يريدون صرف محمد صلى الله عليه وسلم إلى إرادتهم. و: يُغْنُوا من الغناء، أي لن يكون لهم عنك دفاع. ثم حقر تعالى شأن الظالمين مشيرا بذلك إلى كفار قريش، ووجه التحقير أنه قال: هؤلاء يتولى بعضهم بعضا، والمتقون يتولاهم الله، فخرجوا عن ولاية الله وتبرأت منهم، ووكلهم الله بعضهم إلى بعض.
وقوله تعالى: هذا بَصائِرُ يريد القرآن. والبصائر جمع بصيرة، وهي المعتقد الوثيق في الشيء، كأنه مصدر من إبصار القلب، فالقرآن فيه بيانات ينبغي أن تكون بصائر. والبصيرة في كلام العرب:
الطريقة من الدم، ومنه قول الشاعر يصف جده في طلب الثأر وتواني غيره: [الكامل]