اضطرب الناس في تفسير هذه الآية فقال ابن عباس أراد بحر السحاب والبحر الذي في الأرض، ورتبت ألفاظ الآية على ذلك، وقال مجاهد البحر العذب هو مياه الأنهار الواقعة في البحر «الأجاج» وقوعها فيه هو مرجها. قال و «البرزخ» و «الحجر» هو حاجز في علم الله لا يراه البشر، وقاله الزجاج، وقالت فرقة معنى مَرَجَ أدام أحدهما في الآخر، وقال ابن عباس خلى أحدهما على الآخر ونحو هذا من الأقوال التي تتداعى مع بعض ألفاظ الآية، والذي أقول به في الآية إن المقصد بها التنبيه على قدرة الله تعالى وإتقان خلقه للأشياء في أن بث في الأرض مياها عذبة كثيرة من أنهار وعيون وآبار، وجعلها خلال الأجاج وجعل الأجاج خلالها، فتلقى البحر قد اكتنفته المياه العذبة في ضفتيه، وتلقى الماء العذب في الجزائر ونحوها قد اكتنفه الماء الأجاج فبثها هكذا في الأرض هو خلطها، وهو قوله مَرَجَ ومنه مريج أي مختلط مشتبك، ومنه مرجت عهودهم في الحديث المشهور، و «البحران» يريد بهما جميع الماء العذب وجميع الماء الأجاج، كأنه قال مرج نوعي الماء والبرزخ والحجر هو ما بين الْبَحْرَيْنِ من الأرض واليبس، قاله الحسن، ومنه القدرة التي تمسكها مع قرب ما بينهما في بعض المواضع، وبكسر الحاء قرأ الناس كلهم هنا والحسن بضم الحاء في سائر القرآن، و «الفرات» الصافي اللذيذ المطعم، و «البرزخ» الحاجز بين الشيئين، وقرأ الجمهور «هذا ملح» وقرأ طلحة بن مصرف «هذا ملح» بكسر اللام وفتح الميم، قال أبو حاتم هذا منكر في القراءة، قال ابن جني أراد مالحا وحذف الألف كبرد وبرد، و «الأجاج» أبلغ ما يكون من الملوحة، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ الآية، هو تعديد النعمة على الناس في إيجادهم بعد العدم، والتنبيه على العبرة في ذلك وتعديد النعمة في التواشج الذي جعل بينهم من النسب والصهر، وقوله مِنَ الْماءِ إما أن يريد أصل الخلقة في أن كل حي مخلوق من الماء، وإما أن يريد نطف الرجال وكل ذلك قالته فرقة، والأول أفصح وأبين، و «النسب والصهر» معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين، ف «النسب» هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو في أم قرب ذلك أو بعد، و «الصهر» تواشج المناكحة، فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج ثم الأحماء والأصهار يقع عاما لذلك كله، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «النسب» ما لا يحل نكاحه «والصهر» ما يحل نكاحه وقال الضحاك «الصهر» قرابة الرضاع.