كانت مربعة، طويلة في السماء، واسعة السفل، ضيقة العلو، وكان أعلاها مفتوحا للهواء والتنفس، قال:
لأن الغرض منها إنما كانت السلامة حتى ينزل الماء، ولم يكن طلب الجري وقصد المواضع المعينة، ومع هذه الهيئة فلها مجرى ومرسى، والله أعلم كيف كانت، والكل محتمل.
وقوله: بِأَعْيُنِنا قال الجمهور معناه: بحفظنا وحفايتنا وتحت نظرنا لأهلها، فسمى هذه الأشياء أعينا تشبيها، إذ الحافظ المتحفي من البشر إنما يكون ذلك الأمر نصب عينه، وقيل المراد من حفظها من الملائكة سماهم عيونا، وقال الرماني وقيل إن قوله: بِأَعْيُنِنا يريد العيون المفجرة من الأرض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف.
وقرأ أبو السمال: «بأعينا» مدغمة. وقرأ جمهور الناس: «كفر» بضم الكاف وكسر الفاء، واختلفوا في المعنى فقال ابن عباس ومجاهد: «من» ، يراد بها الله تعالى كأنه قال: غضبا وانتصارا لله، أي انتصر لنفسه فأنجى المؤمنين وأغرق الكافرين. وقال مكي وقيل «من» ، يراد بها نوح والمؤمنين، لأنهم كفروا من حيث كفر بهم فجازاهم الله بالنجاة. وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة: «كفر» بفتح الكاف والفاء، والضمير في: تَرَكْناها قال مكي بن أبي طالب هو عائد على هذه الفعلة والقصة. وقال قتادة والنقاش وغيره: هو عائد على هذه السفينة، قالوا وإن الله تعالى أرسلها على الجودي حين تطاولت الجبال وتواضع وهو جبيل بالجزيرة بموضع يقال له باقردى، وأبقى خشبها هنالك حتى رأت بعضه أوائل هذه الأمة. وقال قتادة: وكم من سفينة كانت بعدها صارت رصودا و: مُدَّكِرٍ أصله: مذتكر، أبدلوا من التاء ذالا ليناسب الدال في النطق، ثم أدغموا الدال في الدال، وهي قراءة الناس، قال أبو حاتم: رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح وقرأ قتادة: «مذكر» بالذال على إدغام الثاني في الأول، قال أبو حاتم: وذلك رديء ويلزمه أن يقرأ واذكر بعد أمة وتذخرون في بيوتكم.
وقوله تعالى: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ توقيف لقريش وتوبيخ، والنذر: هنا جمع نذير، المصدر بمعنى كان عاقبة إنذاري لمن لم يجعل به كأنتم أيها القوم. و: يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ معناه: سهلناه وقربناه و «الذكر» : الحفظ عن ظهر قلب، قال ابن جبير: لم يستظهر من كتب الله سوى القرآن.
قال القاضي أبو محمد: يسر بما فيه من حسن النظم وشرف المعاني فله لوطة بالقلوب، وامتزاج بالعقول السليمة.
وقوله: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ استدعاء وحض على ذكره وحفظه لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس. قال مطرف في قوله تعالى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ هل من طالب علم فيعان عليه.
قال القاضي أبو محمد: الآية تعديد نعمة في أن الله يسر الهدى ولا بخل من قبله، فلله در من قبل وهدى. وقد تقدم تعليل: مُدَّكِرٍ.
قوله عز وجل:
[سورة القمر (٥٤) : الآيات ١٨ الى ٢٦]
كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦)