قال القاضي أبو محمد: وهذا الشرط فيه نظر، قال ابن حبيب: وينبغي للإمام أن يأمر السعاة بتفريقها بالمواضع التي جبيت فيها ولا يحمل منه شيء إلى الإمام إلا أن يرى ذلك لحاجة أو فاقة نزلت بقوم، قال مالك: ومن له مزرعة أو شيء في ثمنه إذا باعه ما يغنيه لم يجز له أخذ الصدقة، وهذه جملة من فقه الآية كافية على شرطنا في الإيجاز والله الموفق برحمته، وقوله تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أي موجبة محدودة وهو مأخوذ من الفرض في الشيء بمعنى الحز والقطع ثبوت ذلك ودوامه، شبه ما يفرض من الأحكام، ونصب فَرِيضَةً على المصدر، ثم وصف نفسه تعالى بصفتين مناسبتين لحكم هذه الآية لأنه صدر عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة بينهم.
الضمير في قوله وَمِنْهُمُ عائد على المنافقين، ويُؤْذُونَ لفظ يعم جميع ما كانوا يفعلونه ويقولونه في جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى، وخص بعد ذلك من قولهم هُوَ أُذُنٌ، وروي أن قائل هذه اللفظة نبتل بن الحارث وكان من مردة المنافقين، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث وكان ثائر الرأس منتفش الشعرة أحمر العينين أسفع الخدين مشوها، وروي عن الحسن البصري ومجاهد أنهما تأولا أنهم أرادوا بقولهم هُوَ أُذُنٌ أي يسمع منا معاذيرنا وتنصلنا ويقبله، أي فنحن لا نبالي عن أذاه ولا الوقوع فيه إذ هو سماع لكل ما يقال من اعتذار ونحوه، فهذا تنقص بقلة الحزامة والانخداع، وروي عن ابن عباس وجماعة معه أنهم أرادوا بقولهم هُوَ أُذُنٌ أي يسمع كل ما ينقل إليه عنا ويصغي إليه ويقبله، فهذا تشكّ منه ووصف بأنه يسوغ عنده الأباطيل والنمائم، ومعنى أُذُنٌ سماع، ويسمى الرجل السماع لكل قول أذنا إذا كثر منه استعمال الأذن، فهذه تسمية الشيء بالشيء إذا كان منه بسبب كما يقال للربيئة عين وكما يقال للمسنة من الإبل التي قد بزل نابها ناب وقيل معنى الكلام ذو أذن أي ذو سماع، وقيل إن قوله أُذُنٌ مشتق من قولهم أذن للشيء إذا استمع كما قال الشاعر وهو علي بن زيد:[الرمل]
أيها القلب تعلل بددن ... إن همّي في سماع وأذن
وفي التنزيل وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الإنشقاق: ٢- ٥] ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن» ومن هذا قول الشاعر [عدي بن زيد] : [الرمل]