للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ يعني أنهم كانوا يخافون الله في جهة الموت، لأنهم لا يخشون الموت إلا منه، فلما كتب عليهم قتال الناس رأوا أنهم يموتون بأيديهم، فخشوهم في جهة الموت كما كانوا يخشون الله، وقال الحسن: قوله: كَخَشْيَةِ اللَّهِ يدل على أنها في المؤمنين، وهي خشية خوف لا خشية مخالفة، ويحتمل أن يكون المعنى يخشون الناس على حد خشية المؤمنين الله عز وجل.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ترجيح لا قطع، وقوله: أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً قالت فرقة: أَوْ بمعنى الواو، وفرقة: هي بمعنى «بل» ، وفرقة: هي للتخيير، وفرقة: على بابها في الشك في حق المخاطب، وفرقة: هي على جهة الإبهام على المخاطب.

قال القاضي أبو محمد: وقد شرحت هذه الأقوال كلها في سورة البقرة في قوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [الآية: ٧٤] أن الموضعين سواء، وقولهم، لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ؟ رد في صدر أوامر الله تعالى وقلة استسلام، «والأجل القريب» يعنون به موتهم على فرشهم، هكذا قال المفسرون.

قال القاضي أبو محمد: وهذا يحسن إذا كانت الآية في اليهود أو المنافقين، وأما إذا كانت في طائفة من الصحابة، فإنما طلبوا التأخر إلى وقت ظهور الإسلام وكثرة عددهم.

قُلْ يا محمد لهؤلاء: مَتاعُ الدُّنْيا، أي الاستمتاع بالحياة فيها الذي حرصتم عليه وأشفقتم من فقده قَلِيلٌ، لأنه فان زائل وَالْآخِرَةُ التي هي نعيم مؤبد خَيْرٌ لمن أطاع الله واتقاه في الامتثال لأوامره، على المحاب والمكاره، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «تظلمون» بالتاء على الخطاب، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يظلمون» بالياء على ترك المخاطبة وذكر الغائب، والفتيل الخيط في شق نواة التمرة، وقد تقدم القول فيه.

قوله تعالى:

[[سورة النساء (٤) : آية ٧٨]]

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)

المعنى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ جزاء وجوابه. وهكذا قراءة الجمهور، وقرأ طلحة بن سليمان «يدرككم» بضم الكافين ورفع الفعل، قال أبو الفتح: ذلك على تقدير دخول الفاء كأنه قال: فيدرككم الموت، وهي قراءة ضعيفة، وهذا إخبار من الله يتضمن تحقير الدنيا، وأنه لا منجى من الفناء والتنقل، واختلف المتأولون في قوله: فِي بُرُوجٍ فالأكثر والأصح أنه أراد البروج والحصون التي في الأرض المبنية، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة، فمثل الله لهم بها، قال قتادة: المعنى في قصور محصنة، وقاله ابن جريج والجمهور، وقال السدي: هي بروج في السماء الدنيا مبنية، وحكى مكي هذا القول عن مالك، وأنه قال: ألا ترى إلى قوله وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج: ١] وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال: فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، معناه في قصور من حديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>