للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)

اختلف القراء في هذه الآية فقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع «يقول» بغير واو عطف وبرفع اللام.

وكذلك ثبت في مصاحف المدينة ومكة. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «ويقول» بإثبات الواو. وكذلك ثبت في مصاحف الكوفيين. وقال الطبري كذلك هي في مصاحف أهل الشرق. وقرأ أبو عمرو وحده «ويقول» بإثبات الواو وبنصب اللام. قال أبو علي وروى علي بن نصر عن أبي عمرو النصب والرفع في اللام. فأما قراءة ابن كثير ونافع فمتعاضدة مع قراءة حمزة والكسائي. لأن الواو ليست عاطفة مفرد على مفرد مشركة في العامل وإنما هي عاطفة جملة على جملة وواصلة بينهما والجملتان متصلتان بغير واو. إذ في الجملة الثانية ذكر من الجملة المعطوف عليها. إذ الذين يسارعون وقالوا نخشى ويصبحون نادمين هم الذين قيل فيهم.

أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فلما كانت الجملتان هكذا حسن العطف بالواو وبغير الواو. كما أن قوله تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر مما تقدم اكتفى بذلك عن الواو، وعلى هذا قوله تعالى: أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [البقرة: ٣٩ الأعراف: ٣٦ يونس: ٢٧] ولو دخلت الواو فقيل «وهم فيها خالدون» كان حسنا.

قال القاضي أبو محمد: ولكن براعة الفصاحة في الإيجاز، ويدل على حسن دخول الواو قوله تعالى: وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] فحذف الواو من قوله وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا كحذفها من هذه الآية، وإلحاقها في قوله ثامِنُهُمْ.

قال القاضي أبو محمد: وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا القول من المؤمنين إنما هو إذا جاء الفتح حصلت ندامة المنافقين وفضحهم الله تعالى، فحينئذ يقول المؤمنون أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا [المائدة:

٥٣] الآية. وتحتمل الآية أن تكون حكاية لقول المؤمنين في وقت قول الذين في قلوبهم مرض نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ [المائدة: ٥٢] وعند أفعالهم ما فعلوا في حكاية بني قينقاع. فظهر فيها سرهم وفهم منهم أن تمسكهم بهم إنما هو إرصاد لله ولرسوله. فمقتهم النبي والمؤمنون، وترك النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع لعبد الله بن أبيّ رغبة في المصلحة والألفة، وبحكم إظهار عبد الله أن ذلك هو الرأي من نفسه وأن الدوائر التي يخاف إنما هي ما يخرب المدينة وعلم المؤمنون وكل فطن أن عبد الله في ذلك بخلاف ما أبدى. فصار ذلك موطنا يحسن أن يقول فيه المؤمنون أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا الآية، وأما قراءة أبي عمرو ويقول بنصب اللام فلا يتجه معها أن يكون قول المؤمنين إلا عند الفتح وظهور ندامة المنافقين وفضيحتهم، لأن الواو عاطفة فعل على فعل مشركة في العامل، وتوجه عطف وَيَقُولُ مطرد على ثلاثة أوجه، أحدها على المعنى، وذلك أن قوله فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ [المائدة: ٥٢] إنما المعنى فيه فعسى الله أن يأتي بالفتح فعطف قوله تعالى: وَيَقُولُ على يَأْتِيَ اعتمادا على المعنى، وإلا فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>