قتادة: قالوا إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، ولَنَرْجُمَنَّكُمْ معناه بالحجارة، قاله قتادة، وقولهم عليهم السلام، طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، معناه حظكم وما صار إليه من خير وشر معكم، أي من أفعالكم ومن تكسباتكم ليس هو من أجلنا ولا بسببنا بل ببغيكم وكفركم، وبهذا فسر الناس، وسمي الحظ والنصيب طائرا استعارة أي هو مما تحصل عن النظر في الطائر، وكثر استعمال هذا المعنى حتى قالت المرأة الأنصارية: فطار لنا، حين اقتسم المهاجرون، عثمان بن مظعون، ويقول الفقهاء: طار لفلان في المحاصة كذا وكذا، وقرأ ابن هرمز والحسن وعمرو بن عبيد «طيركم معكم» ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر «أإن ذكرتم» بهمزتين الثانية مكسورة على معنى أإن ذكرتم تتطيرون، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بتسهيل هذه الهمزة الثانية وردها ياء «أين ذكرتم» ، وقرأ الماجشون «أن ذكرتم» بفتح الألف، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «إن ذكرتم» بكسر الألف، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وزر بن حبيش «أأن ذكرتم» بهمزتين مفتوحتين وشاهده قول الشاعر: [الطويل]
أأن كنت داود بن أحوى مرجلا ... فلست براع لابن عمك محرما
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعمش «أين ذكرتم» بسكون الياء وتخفيف الكاف.
قال القاضي أبو محمد: فهي «أين» المقولة في الظرف، وهذه قراءة أبي جعفر وخالد وطلحة وقتادة والحسن في تخفيف الكاف فقط، ثم وصفهم بالإسراف والتعدي، وأخبر تعالى ذكره عن حال رجل جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ سمع من المرسلين وفهم عن الله تعالى فجاء يسعى على قدميه وسمع قولهم فلما فهمه روي أنه تعقب أمرهم وسبرهم بأن قال لهم: أتطلبون على دعوتكم هذه أجرا؟ قالوا: لا، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم و «الإيمان بهم» إذ هو الحق ثم احتج عليهم بقوله اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وهم على هدى من الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية حاكمة بنقص من يأخذ على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة ونحوها، فإنها كالتبليغ لمن بعث بخلاف ما لا يلزمه كالإمارة والقضاء، وقد ارتزق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروي عن أبي مجلز وكعب الأحبار وابن عباس أن اسم هذا الرجل حبيب وكان نجارا وكان فيما قال وهب بن منبه قد تجذم، فقيل: كان في غار يعبد ربه، وقال ابن أبي ليلى: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون، وذكر الناس من أسماء الرسل صادق وصدوق وشلوم وغير هذا والصحة معدومة فاختصرته.