الثاني: أن تكون الآية تخليصا لمعاني الشرع، أي ما يقال لك من الوحي وتخاطب به من جهة الله تعالى إلا ما قد قيل للرسل من قبلك، ثم فسر ذلك الذي قيل لجميعهم وهو إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للطائعين وَذُو عِقابٍ للكافرين. وفي هذه الكلمات جماع النهي والزجر الموعظة، وإليها يرجع كل نظر.
الأعجمي: هو الذي لا يفصح عربيا كان أو غير عربي، والعجمي: الذي ليس من العرب فصيحا كان أو غير فصيح، وهذه الآية نزلت بسبب تخليط كان من قريش في أقوالهم من أجل الحروف التي وقعت في القرآن، وهي مما عرّب من كلام العجم: كالسجين والإستبرق ونحوه، فقال عز وجل: ولو جعلنا هذا القرآن أعجميا لا يبين لقالوا واعترضوا لولا بينت آياته.
واختلف القراء في قوله: أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ فقراءة الجمهور على الاستفهام وهمزة ممدودة قبل الألف. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم والأعمش:«أأعجمي» بهمزتين، وكأنهم كانوا ينكرون ذلك فيقولون: لولا بين أأعجمي وعربي مختلط هذا لا يحسن، وتأول ابن جبير أن معنى قولهم: أتجيئنا عجمة ونحن عرب؟ ما لنا وللعجمة؟ وقرأ الحسن البصري وأبو الأسود والجحدري وسلام والضحاك وابن عباس وابن عامر بخلاف عنهما:«أعجمي وعربي» دون استفهام وبسكون العين، كأنهم قالوا عجمة وإعراب، إن هذا لشاذ، أو كأنهم قالوا لولا فصل فصلين، فكان بعضه أعجميا يفهمه العجم، وبعضه عربيا يفهمه العرب، وهذا تأويل لابن جبير أيضا. وقرأ عمرو بن ميمون:«أعجمي» بهمزة واحدة دون مد وبفتح العين، فأخبر الله تعالى عنهم أنه لو كان على أي وجه تخيل لكان لهم قول واعتراض فاسد، هذا مقصد الكلام.
وأمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يقول لهم: إن القرآن هُدىً وَشِفاءٌ للمؤمنين المبصرين للحقائق، وأنه على الذين لا يؤمنون ولا يصرفون نظرهم وحواسهم في المصنوعات عمي، لأنهم فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وعلى قلوبهم أقفال وعلى أعينهم غشاوة.
واختلف الناس في قوله: وَهُوَ عَلَيْهِمْ فقالت فرقة: يريد ب هُوَ القرآن. وقالت فرقة: وَهُوَ يريد به الوقر. والوقر: الثقل في الأذن المانع من السمع، وهذه كلها استعارات، أي هم لما لم يفهموا ولا حصلوا كالأعمى وصاحب الوقر.