للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على إيمانهم بالباطل وكفرهم بالله وبنعمته، وقرأ جمهور القراء «يؤمنون» بالياء من تحت وكذلك «يكفرون» ، وقرأهما بالتاء من فوق الحسن وأبو عبد الرحمن.

قوله عز وجل:

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)

قررهم عز وجل على حال من افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بآياته، وهذه كانت حالهم وأعلمهم أنه لا أحد أَظْلَمُ منهم، وهذا في ضمنه وعيد شديد، ثم بين الوعيد أيضا بالتقرير على أمر جهنم، و «المثوى» موضع الإقامة، وألفاظ هذه الآيات في غاية الاقتضاب والإيجاز وجمع المعاني، ثم ذكر تعالى حال أوليائه والمجاهدين فيه، وقرر ذلك بذكر الكفرة والظلمة ليبين تباين الحالتين، وقوله فِينا، معناه في مرضاتنا وبغية ثوابنا. قال السدي وغيره: نزلت هذه الآية قبل فرض القتال.

قال الفقيه الإمام القاضي: فهي قبل الجهاد العرفي وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته، قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد، وقال عياش وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعلمون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم» ، ونزع بعض العلماء بقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٨٢] ، وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في هذه الآية قتال العدو فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله عز وجل وهو الجهاد الأكبر، قاله الحسن وغيره وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله يقول وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، وقال الضحاك: معنى الآية وَالَّذِينَ جاهَدُوا في الهجرة لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبل الثبوت على الإيمان، و «السبل» هاهنا يحتمل أن تكون طرق الجنة ومسالكها، ويحتمل أن تكون سبل الأعمال المؤدية إلى الجنة والعقائد النيرة، قال يوسف بن أسباط: هي إصلاح النية في الأعمال وحب التزيد والتفهيم، وهذا هو أن يجازى العبد على حسنة بازدياد حسنة وبعلم يقتدح من علم متقدم وهي حال من رضي الله عنه، وباقي الآية وعد، و «مع» تحتمل أن تكون هنا اسما ولذلك دخلت عليها لام التأكيد، ويحتمل أن تكون حرفا ودخلت اللام لما فيها من معنى الاستقرار كما دخلت في «إن زيدا لفي الدار» .

كمل تفسير سورة العنكبوت والحمد لله رب العالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>