وساق لفظة الترك استجلابا لهما عسى أن يتوكأ الترك الحقيقي الذي هو بعد أخذ في الشيء، والقوم المتروكة ملتهم: الملك وأتباعه. وكرر قوله: هُمْ على جهة التأكيد، وحسن ذلك للفاصلة التي بينهما.
وقوله: وَاتَّبَعْتُ الآية، تماد من يوسف عليه السلام في دعائهما إلى الملة الحنيفية، وزوال عن مواجهة- مجلث- لما تقتضيه رؤياه.
وقرأ «آبائي» بالإسكان في الياء الأشهب العقيلي وأبو عمرو، وقرأ الجمهور «آبائي» بياء مفتوحة، قال أبو حاتم: هما حسنتان فاقرأ كيف شئت. وأما طرح الهمزة فلا يجوز، ولكن تخفيفها جيد فتصير ياء مكسورة بعد ياء ساكنة أو مفتوحة.
وقوله: ذلِكَ إشارة إلى ملتهم وشرعهم، وكون ذلك فضلا عليهم بين، إذ خصهم الله تعالى بذلك وجعلهم أنبياء. وكونه فضلا على الناس هو إذ يدعون به إلى الدين ويساقون إلى النجاة من عذاب الله عز وجل.
وقوله مِنْ شَيْءٍ هي مِنْ الزائدة المؤكدة التي تكون مع الجحد. وقوله لا يَشْكُرُونَ يريد الشكر التام الذي فيه الإيمان.
وصفه لهما ب صاحِبَيِ السِّجْنِ هو: إما على أن نسبهما بصحبتهما للسجن من حيث سكناه- كما قال: أَصْحابُ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٤٤، الحشر: ٢٠] ، وأَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: ١١٩] ونحو هذا- وإما أن يريد صحبتهما له في السجن، فأضافهما إلى السجن بذلك، كأنه قال: يا صاحبيّ في السجن، وهذا كما قيل في الكفار إن الأصنام شركاؤهم وعرضه عليهما بطول أمر الأوثان بأن وصفها «بالتفرق» ، ووصف الله تعالى ب «الوحدة» و «القهر» تلطف حسن وأخذ بيسير الحجة قبل كثيرها الذي ربما نفرت منه طباع الجاهل وعاندته، وهكذا الوجه في محاجة الجهلة أن يؤخذ بدرجة يسيرة من الاحتجاج يقبلها، فإذا قبلها لزمته عنها درجة أخرى فوقها، ثم كذلك أبدا حتى يصل إلى الحق، وإن أخذ الجاهل بجميع المذهب الذي يساق إليه دفعة أباه للحين وعانده وقد ابتلي بأرباب متفرقين من يخدم أبناء الدنيا ويؤملهم.