للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)

اختلف المفسرون في هذا الاستهزاء فقال جمهور العلماء: «هي تسمية العقوبة باسم الذنب» .

والعرب تستعمل ذلك كثيرا، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم] : [الوافر] .

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وقال قوم: إن الله تعالى يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزو حسبما يروى أن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم، وما يروى أن أبواب النار تفتح لهم فيذهبون إلى الخروج، نحا هذا المنحى ابن عباس والحسن، وقال قوم: استهزاؤه بهم هو استدراجهم من حيث لا يعلمون، وذلك أنهم بدرور نعم الله الدنيوية عليهم يظنون أنه راض عنهم وهو تعالى قد حتم عذابهم، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء.

وَيَمُدُّهُمْ معناه يزيدهم في الطغيان. وقال مجاهد: «معناه يملي لهم» ، قال يونس بن حبيب:

«يقال مد في الشر وأمد في الخير» وقال غيره: «مد الشيء ومده ما كان مثله ومن جنسه، وأمدّه ما كان مغايرا له، تقول: مدّ النهر ومدّه نهر آخر، ويقال أمدّه» .

قال اللحياني: «يقال لكل شيء دخل فيه مثله فكثره مده يمده مدّا، وفي التنزيل: وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [لقمان: ٢٧] . ومادة الشيء ما يمده دخلت فيه الهاء للمبالغة» .

قال ابن قتيبة وغيره: «مددت الدواة وأمددتها بمعنى» .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: يشبه أن يكون «مددتها» جعلت إلى مدادها آخر، و «أمددتها» جعلتها ذات مداد، مثل «قبر، وأقبر، وحصر، وأحصر» ، ومددنا القوم صرنا لهم أنصارا، وأمددناهم بغيرنا. وحكى اللحياني أيضا أمدّ الأمير جنده بالخيل، وفي التنزيل: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [الإسراء: ٦] .

قال بعض اللغويين: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يمهلهم ويلجهم.

قال القاضي أبو محمد: فتحتمل اللفظة أن تكون من المد الذي هو المطل والتطويل، كما فسر في:

عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة: ٩] . ويحتمل أن تكون من معنى الزيادة في نفس الطغيان، والطغيان الغلو وتعدي الحد كما يقال: «طغا الماء وطغت النار» . وروي عن الكسائي إمالة طغيانهم.

ويَعْمَهُونَ يترددون حيرة، والعمه الحيرة من جهة النظر، والعامة الذي كأنه لا يبصر من التحير في ظلام أو فلاة أو هم.

وقوله: أُولئِكَ إشارة إلى المتقدم ذكرهم، وهو رفع بالابتداء والَّذِينَ خبره، واشْتَرَوُا

<<  <  ج: ص:  >  >>