وقوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ اختلف الناس في المخاطب بهذا، فقالت فرقة من المتأولين خوطب بهذا أهل الكتاب، فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بعيسى اتقوا الله وآمنوا بمحمد، ويؤيد هذا المعنى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي» ، الحديث وقال آخرون المخاطبة للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قيل لهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ، أي اثبتوا على ذلك ودوموا عليه، وهذا هو معنى الأمر أبدا لمن هو متلبس بما يؤمر به.
وقوله: كِفْلَيْنِ أي نصيبين بالإضافة إلى ما كان الأمم قبل يعطونه، قال أبو موسى الأشعري:
كِفْلَيْنِ ضعفين بلسان الحبشة، وروي أن عمر بن الخطاب قال لبعض الأحبار: كم كان التضعيف للحسنات فيكم؟ فقال ثلاثمائة وخمسون، فقال عمر: الحمد لله الذي ضاعف لنا إلى سبعمائة، ويؤيد هذا المعنى الحديث الصحيح الذي يقتضي أن اليهود عملت إلى نصف النهار على قيراط، والنصارى من الظهر إلى العصر على قيراط، وهذه الأمة من العصر إلى الليل على قيراطين، فلما احتجت اليهود والنصارى على ذلك وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا، قال الله تعالى:«هل نقصتم من أجركم شيئا، قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أوتيه من أشاء» . والكفل: الحظ والنصيب. والنور: هنا إما أن يكون وعدا بالنور الذي يسعى بين الأيدي يوم القيامة، وإما أن يكون استعارة للهدى الذي يمشي به في طاعة الله.
روي أنه لما نزل هذا الوعد للمؤمنين حسد أهل الكتاب على ذلك، وكانت اليهود تعظم دينها وأنفسها وتزعم أنها أحباء الله وأهل رضوانه، فنزلت هذه الآية معلمة أن الله تعالى فعل ذلك وأعلم به ليعلم أهل الكتاب أنهم ليسوا كما يزعمون، و «لا» في قوله: لِئَلَّا زائدة كما هي في قوله تعالى: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء: ٩٥] على بعض التأويلات.
وقرأ ابن عباس «ليعلم أهل الكتاب» ، وروى إبراهيم التيمي عن ابن عباس:«كي يعلم» ، وروي عن ابن عباس:«لكي لا يعلم» . وروي عن حطان الرقاشي أنه قرأ:«لأي يعلم» . وقرأ ابن مسعود وابن جبير وعكرمة:«لكي يعلم أهل الكتاب» ، وقرأ الحسن فيما روى ابن مجاهد:«ليلا يعلم» بفتح اللام وسكون الياء. فأما فتح اللام فلغة في لام الجر مشهورة وأصل هذه القراءة «لأن لا» ، استغني عن الهمزة بلام الجر فحذفت فجاء «لأن لا» ، أدغمت النون في اللام للتشابه فجاء «للا» ، اجتمعت أمثلة فقلبت اللام الواحدة ياء. وقرأ الحسن فيما روى قطرب:«ليلا» بكسر اللام وسكون الياء وتعليلها كالتي تقدم.
وقوله تعالى: أَلَّا يَقْدِرُونَ معناه: أنهم لا يملكون فضل الله ويدخل تحت قدرهم، وقرأ ابن مسعود:«ألا يقدروا» بغير نون، وباقي الآية بين.