للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموطأ وغيره، وقد قال ابن مسعود: إنها أسوأ الثلاث، وهذا عندي على جهة الإغلاظ في الموعظة، والحق أنها أيسرها كما قال عليه السلام، ومِنْ فَوْقِكُمْ ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ لفظ عام للمنطبقين على الإنسان وقال السدي عن أبي مالك مِنْ فَوْقِكُمْ الرجم أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ الخسف وقاله سعيد بن جبير ومجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنه: مِنْ فَوْقِكُمْ ولاة الجور أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ سفلة السوء وخدمة السوء.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذه كلها أمثلة لا أنها هي المقصود، إذ هذه وغيرها من القحوط والغرق وغير ذلك داخل في عموم اللفظ ويَلْبِسَكُمْ على قراءة الستة معناه يخلطكم شيعا فرقا يتشيع بعضها لبعض، واللبس الخلط، وقال المفسرون هو افتراق الأهواء والقتال بين الأمة، وقرأ أبو عبد الله المدني «يلبسكم» بضم الياء من ألبس فهو على هذه استعارة من اللباس، فالمعنى أو يلبسكم الفتنة شيعا وشِيَعاً منصوب على الحال وقد قال الشاعر [النابغة الجعدي] : [المتقارب]

لبست أناسا فأفنيتهم

فهذه عبارة عن الخلطة والمقاساة، والبأس القتل وما أشبهه من المكاره، وَيُذِيقَ استعارة إذ هي من أجل حواس الاختبار، وهي استعارة مستعملة في كثير من كلام العرب وفي القرآن، وقرأ الأعمش «ونذيق» بنون الجماعة، وهي نون العظمة في جهة الله عز وجل، وتقول أذقت فلانا العلقم تريد كراهية شيء صنعته به ونحو هذا، وفي قوله تعالى انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآية، استرجاع لهم وإن كان لفظها لفظ تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم فمضمنها أن هذه الآيات والدلائل إنما هي لاستصرافهم عن طريق غيهم، و «الفقه» الفهم، والضمير في بِهِ عائد على القرآن الذي فيه جاء تصريف الآيات، قاله السدي وهذا هو الظاهر، وقيل يعود على النبي عليه السلام وهذا بعيد لقرب مخاطبته بعد ذلك بالكاف في قوله:

قَوْمُكَ ويحتمل أن يعود الضمير على الوعيد الذي تضمنته الآية ونحا إليه الطبري، وقرأ ابن أبي عبلة «وكذبت قومك» بزيادة تاء، وبِوَكِيلٍ معناه بمدفوع إلى أخذكم بالإيمان والهدى، والوكيل بمعنى الحفيظ، وهذا كان قبل نزول الجهاد والأمر بالقتال ثم نسخ، وقيل لا نسخ في هذا إذ هو خبر.

قال القاضي أبو محمد: والنسخ فيه متوجه لأن اللازم من اللفظ لست الآن، وليس فيه أنه لا يكون في المسأنف وقوله: لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ أي غاية يعرف عندها صدقه من كذبه، وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ تهديد محض ووعيد.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٨ الى ٦٩]

وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)

لفظ هذا الخطاب مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، واختلف في معناه فقيل إن المؤمنين داخلون في الخطاب معه.

<<  <  ج: ص:  >  >>