قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا من دقيق نظره وكأنه يرد فاعل إلى الاثنين، ولا بد من حيث ما فيه مهلة ومدافعة ومماطلة، فكأنه يقاوم في المعنى الذي تجيء فيه فاعل.
وقوله تعالى: وَما يَشْعُرُونَ معناه وما يعلمون علم تفطن وتهد، وهي لفظة مأخوذة من الشعار كأن الشيء المتفطن له شعار للنفس، والشعار الثوب الذي يلي جسد الإنسان، وهو مأخوذ من الشعر، والشاعر المتفطن لغريب المعاني.
وقولهم: «ليت شعري» معناه ليت فطنتي تدرك، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [المنخل الهذلي] .
عقوا بسهم فلم يشعر به أحد ... ثم استفاؤوا وقالوا حبّذا الوضح
واختلف ما الذي نفى الله عنهم أن يشعروا له. فقالت طائفة: «وما يشعرون أن ضرر تلك المخادعة راجع عليهم لخلودهم في النار» .
وقال آخرون: «وما يشعرون أن الله يكشف لك سرهم ومخادعتهم في قولهم آمنا» .
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٠ الى ١٢]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)
المرض عبارة مستعارة للفساد الذي في عقائد هؤلاء المنافقين وذلك إما أن يكون شكا، وإما جحدا بسبب حسدهم مع علمهم بصحة ما يجحدون، وبنحو هذا فسر المتأولون.
وقال قوم: «المرض غمهم بظهور أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وقرأ الأصمعي عن أبي عمر: «مرض» بسكون الراء وهي لغة في المصدر قال أبو الفتح: «وليس بتخفيف» .
واختلف المتأولون في معنى قوله فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً فقيل هو دعاء عليهم، وقيل هو خبر أن الله قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحي ويظهر من البراهين، فهي على هؤلاء المنافقين عمى وكلما كذبوا زاد المرض.
وقرأ حمزة: «فزادهم» بكسر الزاي، وكذلك ابن عامر. وكان نافع يشم الزاي إلى الكسر، وفتح الباقون. وأَلِيمٌ معناه مؤلم كما قال الشاعر وهو عمرو بن معدي كرب: [الوافر] .
أمن ريحانة الداعي السميع بمعنى: مسمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «يكذّبون» بضم الياء وتشديد الذال.
وقرأ الباقون بفتح الياء وتخفيف الذال. فالقراءة بالتثقيل يؤيدها قوله تعالى قبل وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ