ومما ذكر على أن «الأيدي» أيدي النعم ما ذكره الزجاج وذلك أنهم ردوا آلاء الرسل في الإنذار والتبليغ بأفواههم، أي بأقوالهم- فوصل الفعل ب فِي عوض وصوله بالباء- وروي نحوه عن مجاهد وقتادة.
قال القاضي أبو محمد: والمشهور: جمع يد النعمة: أياد، ولا يجمع على أيد، إلا أن جمعه على أبد، لا يكسر بابا ولا ينقض أصلا، وبحسبنا أن الزجاج قدره وتأول عليه.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل اللفظ- على هذا- معنى ثانيا، أن يكون المقصد: ردوا أنعام الرسل في أفواه الرسل، أي لم يقبلوه، كما تقول لمن لا يعجبك قوله: أمسك يا فلان كلامك في فمك.
ومن حيث كانت أيدي الرسل أقوالا ساغ هذا فيها، كما تقول: كسرت كلام فلان في فمه، أي رددته عليه وقطعته بقلة القبول والرد، وحكى المهدوي عن مجاهد أنه قال: معناه: ردوا نعم الرسل في أفواه أنفسهم بالتكذيب والنجه.
وقوله: لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ يقتضي أنهم شكوا في صدق نبوتهم وأقوالهم أو كذبها، وتوقفوا في إمضاء أحد المعتقدين، ثم ارتابوا بالمعتقد الواحد في صدق نبوتهم فجاءهم شك مؤكد بارتياب.
وقرأ طلحة بن مصرف: «مما تدعونّا» بنون واحدة مشددة.
قوله عز وجل:
[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٠]]
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠)
قوله: أَفِي اللَّهِ مقدر فيه ضمير تقديره عند كثير من النحويين أفي ألوهية الله شك؟ وقال أبو علي الفارسي: تقديره: أفي وحدانية الله شك؟.
قال القاضي أبو محمد: وزعم بعض الناس: أن أبا علي إنما فزع إلى هذه العبارة حفظا للاعتزال وزوالا عما تحتمله لفظة الألوهية من الصفات بحسب عمومها، ولفظة الوحدانية مخلصة من هذا الاحتمال.
و «الفاطر» المخترع المبتدي، وسوق هذه الصفة احتجاج على الشاكين يبين التوبيخ، أي أيشك فيمن هذه صفته؟ فساق الصفة التي هي منصوبة لرفع الشك.
وقوله: مِنْ ذُنُوبِكُمْ ذهب بعض النحاة إلى أنها زائدة، وسيبويه يأبى أن تكون زائدة ويراها للتبعيض.