قال القاضي أبو محمد: فمذهب عمر أن «الفتنة» الشرك في هذه الآية وهو الظاهر، وفسر هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» ، ومن قال المعنى حتى لا يكون شرك فالآية عنده يريد بها الخصوص فيمن لا يقبل منه جزية، قال ابن سلام: وهي في مشركي العرب، ثم قال الله تعالى: فَإِنِ انْتَهَوْا أي عن الكفر فإن الله بصير بعملهم مجاز عليه، عنده ثوابه وجميل المعاوضة عليه وقرأ يعقوب بن إسحاق وسلام بن سليمان «بما تعملون» بالتاء أي في قتالكم وجدكم وجلادكم عن دينه.
وقوله تعالى: وَإِنْ تَوَلَّوْا الآية، معادل لقوله فَإِنِ انْتَهَوْا، والمعنى فإن انتهوا عن الكفر فالله مجازيهم أو مجازيكم على قراءة «تعملون» ، وإن تولوا ولم ينتهوا فاعلموا أن الله ينصركم عليهم، وهذا وعد محض بالنصر والظفر، أي فجدوا، و «المولى» هاهنا الموالي والمعين، والمولى في اللغة على معان هذا هو الذي يليق بهذا الموضع منها، والمولى الذي هو السيد المقترن بالعبد يعم المؤمنين والمشركين.
موضع «أن» الثانية رفع، التقدير «فحكمه أن» ، فهي في موضع خبر الابتداء، والغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر [امرؤ القيس] : [الوافر]
وقد طفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:[البسيط]
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه ... أنّى توجّه والمحروم محروم
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن:«له غنمه وعليه حرمه» وقوله: «الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة» فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا له، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا.
قال القاضي أبو محمد: والزكوات أيضا مال على حدته، أحكامه منفردة دون أحكام هذين، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب: الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحا، وهذا قريب مما بيناه، وقال قتادة: الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر وما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [الآية: ٧] وذلك أن تلك كانت الحكم أولا، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة الأخماس في المقاتلين.