غيرها، وذِكْرى على هذا القول يحتمل أن يكون ذكروهم ذكرى، ويحتمل ولكن أعرضوا متى أعرضتم في غير وقت العبادة ذكرى، وذِكْرى على كل قول يحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل أو رفع بإضمار مبتدأ، وينبغي للمؤمن أن يمتثل حكم هذه الآية مع الملحدين وأهل الجدال والخوض فيه، وحكى الطبري عن أبي جعفر أنه قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
قوله عز وجل:
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٧٠]]
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)
هذا أمر بالمشاركة وكان ذلك بحسب قلة أتباع الإسلام حينئذ، قال قتادة: ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال، وقال مجاهد: الآية إنما هي للتهديد والوعيد فهي كقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً [المدثر: ١١] وليس فيها نسخ لأنها متضمنة خبرا وهو التهديد، وقوله: لَعِباً وَلَهْواً يريد إذ يعتقدون أن لا بعث فهم يتصرفون بشهواتهم تصرف اللاعب اللاهي، وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا أي خدعتهم من الغرور وهو الإطماع بما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله ورزقه وإمهاله وطمعهم ذلك فيما لا يتحصل من رحمته.
قال القاضي أبو محمد: ويتخرج في غَرَّتْهُمُ هنا وجه آخر من الغرور بفتح الغين أي ملأت أفواههم وأشبعتهم، ومنه قول الشاعر: [الطويل]
ولما التقينا بالحنيّة غرّني ... بمعروفه حتّى خرجت أفوّق
ومنه غر الطائر فرخه، ولا يتجه هذا المعنى في تفسير «غر» في كل موضع وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللعب واللهو دينا، ويحتمل أن يكون المعنى اتخذوا دينهم الذي كان ينبغي لهم لعبا ولهوا، والضمير في بِهِ عائد على الدين، وقيل: على القرآن، وأَنْ تُبْسَلَ في موضع المفعول أي لئلا تبسل أو كراهية أن تبسل، ومعناه تسلم، قال الحسن وعكرمة، وقال قتادة: تحبس وترتهن، وقال ابن عباس: تفضي وقال الكلبي وابن زيد: تجزى، وهذه كلها متقاربة بالمعنى، ومنه قول الشنفري: [الطويل]
هنالك لا أرجو حياة تسرّني ... سمير اللّيالي مبسلا بالجرائر
وقال بعض الناس هو مأخوذ من البسل أي من الحرام كما قال الشاعر [ضمرة النهشاني] : [الكامل]
بكرت تلومك بعد وهن في النّدى ... بسل عليك ملامتي وعتابي
قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد، ونَفْسٌ تدل على الجنس، ومعنى الآية وذكر بالقرآن والدين وادع إليه لئلا تبسل نفس التارك للإيمان بما كسبت من الكفر وآثرته من رفض الإسلام، وقوله تعالى: لَيْسَ