قوله: اتَّقِ معناه دم على التقوى، ومتى أمر أحد بشيء هو به متلبس فإنما معناه الدوام في المستقبل على مثل الحالة الماضية، وحذره تعالى من طاعة الكافرين وهم الملجون بالكفر والمنافقين، وهم المظهرون للإيمان وهم لا يبطنونه، وسبب الآية أنهم كانوا يتسخبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلبات والإرادات ربما كان في إرادتهم سعي على الشرع وهم يدخلونها مدخل النصائح، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلقه العظيم وحرصه على استئلافهم ربما لا ينهم في بعض الأمور، فنزلت الآية بسبب ذلك تحذيرا له منهم وتنبيها على عداوتهم والنوازل في طلباتهم كثيرة محفوظة، وقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي لا عليك منهم ولا من إيمانهم فالله عليم بما ينبغي لك حكيم في هدي من شاء وإضلال من شاء، ثم أمره تعالى باتباع ما يوحى إليه وهو القرآن الحكيم والاقتصار على ذلك، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً توعد ما، وقرأ أبو عمرو وحده «يعملون» بالياء، والتوعد على هذه القراءة للكافرين والمنافقين أبين، وقوله كانَ في هاتين الآيتين هي التي تقتضي الدوام، أي كان ويكون، وليست الدالة على زمن مخصوص للمضي، ثم أمره تعالى بالتوكل على الله في جميع أمره وأعلمه أن ذلك كاف مقنع، والباء في قوله بِاللَّهِ زائدة على مذهب سيبويه، وكأنه قال «وكفى الله» ، وهي عنده نحو قولهم: بحسبك أن تفعل، وغيره يراها غير زائدة متعلقة ب كَفى على أنه بمعنى اكتف بالله، و «الوكيل» القائم بالأمر المغني فيه عن كل شيء.