كان العهد في معنى ما يؤدى ويبرأ به وكأنهم يقتضون العهد، ويُظاهِرُوا معناه يعاونوا، والضمير المعين، وأصله من الظهر كان هذا يسند ظهره إلى الآخر والآخر كذلك وقوله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ تنبيه على أن الوفاء بالعهد من التقوى، وقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ الآية، الانسلاخ خروج الشيء عن الشيء المتلبس به كانسلاخ الشاة عن الجلد والرجل عن الثياب، ومنه قوله تعالى: نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧] فشبه انصرام الأشهر أسمائها وأحكامها من الزمن بذلك، وقد تقدم القول فيمن جعل له انقضاء الأشهر الحرم أجلا وما المعنى ب الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ بما أغنى عن إعادته، وقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، أمر بقتال المشركين فخرج الأمر بذلك بلفظ اقتلوا على جهة التشجيع وتقوية النفس، أي هكذا يكون أمركم معهم، وهذه الآية نسخت كل موادعة في القرآن أو مهادنة وما جرى مجرى ذلك وهي على ما ذكر مائة آية وأربع عشرة آية، وقال الضحاك والسدي وعطاء: هذه الآية منسوخة بقوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: ٤٧] وقالوا لا يجوز قتل أسير البتة صبرا إما أن يمن عليه وإما أن يفادى، وقال قتادة ومجاهد وغيرهما: قوله فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد: ٤٧] منسوخ بهذه الآية، وقالوا لا يجوز المن على أسير ولا مفاداته، ولا شيء إلا القتل، وقال ابن زيد: هما محكمتان.
قال القاضي أبو محمد: ولم يفسر أكثر من هذا، وقوله هو الصواب، والآيتان لا يشبه معنى واحدة، معنى الأخرى، وذلك أن هذه الآية قوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ أفعال إنما تمتثل مع المحارب المرسل المناضل، وليس للأسير فيها ذكر ولا حكم وإذا أخذ الكافر خرج عن درجات هذه الآية وانتقل إلى حكم الآية الأخرى، وتلك الآية لا مدخل فيها لغير الأسير، فقول ابن زيد هو الصواب، وقوله خُذُوهُمْ معناه الأسر، وقوله كُلَّ مَرْصَدٍ معناه في مواضع الغرة حيث يرصدون، وقال النابغة:[الطويل]
أعاذل إن الجهل من لذة الفتى ... وإن المنايا للنفوس بمرصد
ونصب كُلَّ على الظرف، وهو اختيار الزجّاج، أو بإسقاط الخافض التقدير في كل مرصد، أو على كل مرصد، وحكى سيبوية ضرب الظهر والبطن، وقوله تعالى: فَإِنْ تابُوا يريد من الكفر فهي متضمنة الإيمان، ثم قرن بها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة تنبيها على مكان الصلاة والزكاة من الشرع، وقوله فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ تأمين، وقال أنس بن مالك: هذا هو دين الله الذي جاءت به الرسل وهو من آخر ما نزل قبل اختلاف الأهواء، وفيه قال النبيء صلى الله عليه وسلم:«من فارق الدنيا مخلصا لله تعالى مطيعا له لقي الله وهو عنه راض» ، ثم وعد بالمغفرة في صيغة الخبر عن أوصافه تعالى.