ولا فخر» . وعَسى من الله واجبة، ومَقاماً نصب على الظرف، ومن غريب حديث الشفاعة اقتضابه المعنى، وذلك أن صدر الحديث يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم يستنهض للشفاعة في أن يحاسب الناس وينطلقون من الموقف، فيذهب لذلك، وينص بإثر ذلك على أنه شفع في إخراج المذنبين من النار، فمعناه الاقتضاب والاختصار. لأن الشفاعة في المذنبين لم تكن إلا بعد الحساب والزوال من الموقف، ودخول قوم الجنة ودخول قوم النار، وهذه الشفاعة لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء، وذكر الطبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي» .
قال القاضي أبو محمد: وينبغي أن يتأول هذا على ما قلناه لأمته وغيرها، أو يقال إن كل مقام منها محمود، قال النقاش: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات، شفاعة العامة، وشفاعة السبق إلى الجنة، وشفاعة في أهل الكبائر، والمشهور أنهما شفاعتان فقط، وحكى الطبري عن فرقة منها مجاهد أنها قالت:«المقام المحمود» هو أن الله عز وجل يجلس محمدا معه على عرشه، وروت في ذلك حديثا، وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى وفيه بعد، ولا ينكر مع ذلك أن يروى، والعلم يتأوله، وقد ذكر النقاش عن أبي داود السختياني أنه قال من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا.
ظاهر هذه الآية والأحسن فيها أن يكون دعاء في أن يحسن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة، فهي على أتم عموم، معناه رَبِّ أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري، وذهب المفسرون إلى أنها في غرض مخصوص، ثم اختلفوا في تعيينه، فقال ابن عباس والحسن وقتادة: أراد أَدْخِلْنِي المدينة وَأَخْرِجْنِي من مكة، وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الوقوع، فإنه متقدم في القول لأن الإخراج من مكة هو المتقدم، اللهم إن مكان الدخول والقرار هو الأهم، وقال أبو صالح ومجاهد: أَدْخِلْنِي في أمر تبليغ الشرع وَأَخْرِجْنِي منه بالأداء التام، وقال ابن عباس: الإدخال بالموت في القبر والإخراج البعث، وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله، أصوب، وقرأ الجمهور «مدخل»«ومخرج» بضم الميم، فهو جرى على أَدْخِلْنِي