للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحصيل المعاني وتركيب الكثير منها في اللفظ القليل: فأما مثل قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ [الرحمن: ٦٤] وقوله ثُمَّ نَظَرَ [المدثر: ٢١] فلا يصح التحدي بالإتيان بمثله لكن بانتظامه واتصاله يقع العجز عنه، وقوله مِثْلِهِ صفة للسورة والضمير عائد على القرآن المتقدم الذكر، كأنه قال: فأتوا بسورة مثل القرآن أي في معانيه وألفاظه، وخلطت فرق في قوله مِثْلِهِ من جهة اللسان كقول الطبري: ذلك على المعنى، ولو كان على اللفظ لقال: «مثلها» ، وهذا وهم بيّن لا يحتاج إليه، وقرأ عمرو بن فائد «بسورة مثله» ، على الإضافة، قال أبو الفتح: التقدير بسورة كلام مثله، قال أبو حاتم: أمر عبد الله الأسود أن يسأل عمر عن إضافة «سورة» أو تنوينها فقال له عمر كيف شئت، وقوله وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ إحالة على شركائهم وجنهم وغير ذلك، وهو كقوله في الآية الأخرى، لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: ٨٨] أي معينا، وهذا أشد إقامة لنفوسهم وأوضح تعجيزا لهم.

قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٩ الى ٤٣]

بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣)

المعنى: ليس الأمر كما قالوا في أنه مفترى بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، وهذا اللفظ يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد بها الوعيد الذي توعدهم الله عز وجل على الكفر، وتأويله على هذا يراد به ما يؤول إليه أمره كما هو في قوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف: ٥٣] ، والآية بجملتها على هذا التأويل تتضمن وعيدا، والمعنى الثاني أنه أراد بل كذبوا بهذا القرآن العظيم المنبئ بالغيوب الذي لم تتقدم لهم به معرفة ولا أحاطوا بعلم غيوبه وحسن نظمه ولا جاءهم تفسير ذلك وبيانه، والَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد من سلف من أمم الأنبياء، قال الزجّاج كَيْفَ في موضع نصب على خبر كانَ ولا يجوز أن يعمل فيها «انظر» لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه.

قال القاضي أبو محمد: هذا قانون النحويين لأنهم عاملوا «كيف» في كل مكان معاملة الاستفهام المحض في قولك: كيف زيد، ول «كيف» تصرفات غير هذا، تحل محل المصدر الذي هو كيفية وتخلع معنى الاستفهام، ويحتمل هذا أن يكون منها ومن تصرفاتها قولهم: كن كيف شئت، وانظر قول البخاري:

كيف كان بدء الوحي فإنه لم يستفهم وذكر الفعل المسند إلى «العاقبة» لما كانت بمعنى المآل ونحوه وليس تأنيثها بحقيقي، وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ الآية، الضمير في مِنْهُمْ عائد على قريش، ولهذا الكلام معنيان قالت فرقة: معناه من هؤلاء القوم من سيؤمن في المستقبل ومنهم من حتم الله أنه لا يؤمن به

<<  <  ج: ص:  >  >>