واختلف الناس في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها، وقال الطبري: بعد الإجماع على أهل الحرم، وليس كما قال: فقال بعض العلماء: من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكة فهو حضري، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي.
قال القاضي أبو محمد: فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة، وقال بعضهم: من كان بحيث لا تقصر الصلاة إلى مكانه فهو حاضر أي شاهد، ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب، وقال عطاء بن أبي رباح: مكة وضجنان وذو طوى وما أشبهها حاضر والمسجد الحرام.
وقال ابن عباس ومجاهد: أهل الحرم كله حاضر والمسجد الحرام، وقال مكحول وعطاء: من كان دون المواقيت من كل جهة حاضر والمسجد الحرام.
وقال الزهري: من كان على يوم أو يومين فهو من حاضري المسجد الحرام، ثم أمر تعالى بتقواه على العموم، وحذر من شديد عقابه.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٧ الى ١٩٨]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨)
وقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، في الكلام حذف تقديره: أشهر الحج أشهر، أو: وقت الحج أشهر، أو: وقت عمل الحج أشهر، والغرض إنما هو أن يكون الخبر عن الابتداء هو الابتداء نفسه، والحج ليس بالأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات، ومن قدر الكلام: الحج في أشهر، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر، ولم يقرأ بنصبها أحد.
وقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري: أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو لحجة كله.
وقال ابن عباس والشعبي والسدي وإبراهيم: هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، والقولان لمالك رحمه الله، حكى الأخير ابن حبيب، وجمع على هذا القول الأخير الاثنان وبعض الثالث كما فعلوا في جمع عشر فقالوا عشرون لعشرين ويومين من الثالث، وكما قال امرؤ القيس: [الطويل] ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال فمن قال إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دما فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر لأنها في أشهر الحج، وعلى القول الآخر ينقضي الحج بيوم النحر ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك.
وقوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ أي من ألزمه نفسه، وأصل الفرض الحز الذي يكون في السهام والقسي وغيرها، ومنه فرضة النهر والجبل، فكأن من التزم شيئا وأثبته على نفسه قد فرضه، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام، والتلبية تبع لذلك، ومِنْ رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، والخبر قوله فَرَضَ لأن مِنْ ليست بموصولة فكأنه قال فرجل فرض، وقوله فَلا رَفَثَ يحتمل أن يكون الخبر، وتكون فَرَضَ صفة.
وقوله تعالى: فِيهِنَّ ولم يجىء الكلام فرض فيها: فقال قوم: هما سواء في الاستعمال.
وقال أبو عثمان المازني: «الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة، والقليل ليس كذلك،