تقول الأجذاع انكسرن والجذوع انكسرت» ، ويؤيد ذلك قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ [التوبة: ٣٦] ، ثم قال: مِنْها، وقرأ نافع «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ» بنصب الجميع، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال» بالرفع في الاثنين ونصب الجدال، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة، ورويت عن عاصم في بعض الطرق، ولا بمعنى ليس في قراءة الرفع وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو، وفِي الْحَجِّ خبر لا جِدالَ، وحذف الخبر هنا هو مذهب أبي علي، وقد خولف في ذلك، بل فِي الْحَجِّ هو خبر الكل، إذ هو في موضع رفع في الوجهين، لأن لا إنما تعمل على بابها فيما يليها وخبرها مرفوع باق على حاله من خبر الابتداء، وظن أبو علي أنها بمنزلة ليس في نصب الخبر، وليس كذلك، بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر، وفِي الْحَجِّ هو الخبر في قراءة كلها بالرفع وفي قراءتها بالنصب، والتحرير أن فِي الْحَجِّ في موضع نصب بالخبر المقدر كأنك قلت موجود في الحج، ولا فرق بين الآية وبين قولك زيد في الدار.
وقال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة ومالك ومجاهد وغيرهم: الرفث الجماع.
وقال عبد الله بن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث الإعراب والتعريب، وهو الإفحاش بأمر الجماع عند النساء خاصة، وهذا قول ابن عباس أيضا، وأنشد وهو محرم:
وهنّ يمشين بنا هميسا ... إن تصدق الطّير ننك لميسا
فقيل له: ترفث وأنت محرم؟ فقال: إنما الرفث ما كان عند النساء وقال قوم: الرفث الإفحاش بذكر النساء كان ذلك بحضرتهن أم لا، وقد قال ابن عمر للحادي:«لا تذكر النساء» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا يحتمل أن تحضر امرأة فلذلك نهاه، وإنما يقوي القول من جهة ما يلزم من توقير الحج.
وقال أبو عبيدة:«الرفث اللغا من الكلام» ، وأنشد:
وربّ أسراب حجيج كظم ... عن اللّغا ورفث التّكلّم
قال القاضي أبو محمد: ولا حجة في البيت، وقرأ ابن مسعود «ولا رفوث» .
وقال ابن عباس وعطاء والحسن وغيرهم: الفسوق المعاصي كلها لا يختص بها شيء دون شيء.
وقال ابن عمر وجماعة معه: الفسوق المعاصي في معنى الحج كقتل الصيد وغيره.
وقال ابن زيد ومالك: الفسوق الذبح للأصنام، ومنه قول الله تعالى: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: ١٤٥] .
وقال الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب، ومنه قول الله تعالى: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ [الحجرات: ١١] .