للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضع نصب بالاستثناء ويصح أن يكون في موضع رفع كما يجوز الوجهان في قولك ما في الدار أحد إلا حمارا وإلا حمار والنصب أوجه ومَنْ على هذه التأويلات للشافع ويحتمل أن تكون للمشفوع فيه. وقوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ قالت فرقة يريد الملائكة، وقالت فرقة يريد خلقه أجمع، وقد تقدم القول في ترتيب «ما بين اليد وما خلف» في غير موضع على أن جماعة من المفسرين قالوا في هذه الآية ما خَلْفَهُمْ الدنيا وما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أمر الآخرة والثواب والعقاب، وهذا بأن نفرضها حالة وقوف حتى نجعلها كالأجرام وأما إن قدرناها في نسق الزمان فالأمر على العكس بحكم ما بيناه قبل. وَعَنَتِ معناه ذلت، والعاني الأسير ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر النساء: «هن عوان عندكم» وهذه حالة الناس يوم القيامة. وقال طلق بن حبيب: أراد سجود الناس على الوجوه والآراب السبعة.

قال القاضي أبو محمد: وإن كان روي هذا أن الناس يوم القيامة سجودا وجعل هذه الآية إخبارا فهو مستقيم وإن كان أراد سجود الدنيا فإنه أفسد نسق الآية، والْقَيُّومِ بناء مبالغة من قيامه عز وجل على كل شيء بما يجب فيه، وخابَ معناه لم ينجح ولا ظفر بمطلوبه، والظلم يعم الشرك والمعاصي وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك على الإطلاق، وخيبة المعاصي مقيدة بوقت وحد في العقوبة.

قوله عز وجل:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٢ الى ١١٤]

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (١١٢) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)

قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ عادل لقوله مَنْ حَمَلَ ظُلْماً [طه: ١١١] ، وفي قوله مِنَ الصَّالِحاتِ تيسير في الشرع لأنها مَنْ التي للتبعيض، و «الظلم» أعم من «الهضم» وهما يتقاربان في المعنى ويتداخلان، ولكن من حيث تناسقا في هذه الآية ذهب قوم إلى تخصيص كل واحد منهما بمعنى، فقالوا «الظلم» أن تعظم عليه سيئاته وتكثر أكثر مما يجب، و «الهضم» أن ينقض حسناته ويبخسها، وكلهم قرأ فَلا يَخافُ ظُلْماً على الخبر، غير ابن كثير فإنه قرأ «فلا يخف» على النهي، ثم قال تعالى:

وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ أي كما قدرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد كذلك حذرنا هؤلاء أمرنا وأَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وتوعدنا فيه بأنواع من الوعيد لَعَلَّهُمْ بحسب توقع البشر وترجيهم يَتَّقُونَ الله ويخشون عقابه فيؤمنون ويتذكرون نعمه عندهم وما حذرهم من أليم عقابه، هذا تأويل فرقة في قوله أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً وقالت فرقة معناه أو يكسبهم شرفا ويبقي عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين، وقرأ الحسن البصري «أو يحدث» ساكنة الثاء، وقرأ مجاهد «أو نحدث» بالنون وسكون الثاء ولا وجه للجزم إلا على أن يسكن حرف الإعراب استثقالا لحركته، وهذا نحو قول جرير ولا يعرفكم العرب. وقوله فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ختم للقول لأنه لما قدم صفة سلطانه يوم القيامة وعظم قدرته وذلة عبيده وحسن تلطفه

<<  <  ج: ص:  >  >>