للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لزمان، كأنه قال: وقتا قليلا أو زمنا قليلا، والْمَصِيرُ مفعل كموضع من صار يصير، و «بيس» أصلها بئس، وقد تقدمت في «بئسما» ، وأمتعه معناه أخوله الدنيا وأبقيه فيها بقاء قليلا، لأنه فان منقض، وأصل المتاع الزاد، ثم استعمل فيما يكون آخر أمر الإنسان أو عطائه أو أفعاله، قال الشاعر [سليمان بن عبد الملك] : [الطويل]

وقفت على قبر غريب بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق

ومنه تمتيع الزوجات، ويضطر الله الكافر إلى النار جزاء على كفره.

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٧ الى ١٢٩]

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)

المعنى: واذكر إذ، والْقَواعِدَ جمع قاعدة وهي الأساس، وقال الفراء: «هي الجدر» .

قال القاضي أبو محمد: وفي هذا تجوز، والقواعد من النساء جمع قاعد وهي التي قعدت عن الولد، وحذفت تاء التأنيث لأنه لا دخول للمذكر فيه، هذا قول بعض النحاة، وقد شذ حذفها مع اشتراك المذكر بقولهم ناقة ضامر، ومذهب الخليل أنه متى حذفت تاء التأنيث زال الجري على الفعل وكان ذلك على النسب.

والْبَيْتِ هنا الكعبة بإجماع، واختلف بعض رواة القصص: فقيل إن آدم أمر ببنائه، فبناه، ثم دثر ودرس حتى دل عليه إبراهيم فرفع قواعده، وقيل: إن آدم هبط به من الجنة، وقيل: إنه لما استوحش في الأرض حين نقص طوله وفقد أصوات الملائكة أهبط إليه وهو كالدرة، وقيل: كالياقوتة، وقيل: إن البيت كان ربوة حمراء، وقيل بيضاء، ومن تحته دحيت الأرض، وإن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ورفع قواعده.

والذي يصح من هذا كله أن الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قدمه وجائز أن يكون ذلك ابتداء، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر، وقال عبيد بن عمير: رفعها إبراهيم وإسماعيل معا، وقال ابن عباس: رفعها إبراهيم، وإسماعيل يناوله الحجارة، وقال علي بن أبي طالب: رفعها إبراهيم، وإسماعيل طفل صغير.

قال القاضي أبو محمد: ولا يصح هذا عن علي رضي الله عنه، لأن الآية والآثار ترده، وَإِسْماعِيلُ عطف على إِبْراهِيمُ، وقيل هو مقطوع على الابتداء وخبره فيما بعد، قال الماوردي:

إِسْماعِيلُ أصله اسمع يا إيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>