هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعلوا قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا كلاما مقطوعا مستأنفا في الكفار. الَّذِينَ ابتداء وخبره: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، ويحتمل أن يكون خبر الابتداء محذوفا والفاء متعلقة به.
وقوله تعالى: إِذِ الْأَغْلالُ يعني يوم القيامة، والعامل في الظرف يَعْلَمُونَ وعبر عن ظرف الاستقبال بظرف لا يقال إلا في الماضي، وذلك لما تيقن وقوع الأمر حسن تأكيده بالإخراج في صيغة المضي، وهذا كثير في القرآن كما قال تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة: ١١٦] قال الحسن بن أبي الحسن: لم تجعل السلاسل في أعناق أهل النار، لأنهم أعجزوا الرب، لكن لترسبهم إذا أطفاهم اللهب.
وقرأ جمهور الناس:«والسلاسل» عطفا على الْأَغْلالُ. وقرأ ابن عباس وابن مسعود:
«والسلاسل» بالنصب «يسحبون» بفتح الحاء وإسناد الفعل إليهم وإيقاع الفعل على «السلاسل» . وقرأت فرقة «والسلاسل» بالخفض على تقدير إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ، إذ ترتيبه فيه قلب، وهو على حد قول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي. وفي مصحف أبي بن كعب:«وفي السلاسل يسحبون» . و: يُسْحَبُونَ معناه يجرون، والسحب الجر.
والْحَمِيمِ: الذائب الشديد الحر من النار، ومنه يقال للماء السخن: حميم. و: يُسْجَرُونَ قال مجاهد معناه: توقد النار بهم، والعرب تقول: سجرت التنور إذا ملأتها. وقال السدي: يُسْجَرُونَ يحرقون.
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدون من دون الله؟ فيقولون: ضَلُّوا عَنَّا أي تلفوا لنا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً وهذا من أشد الاختلاط وأبين الفساد في الدهر والنظر فقال الله تعالى لنبيه: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ أي كهذه الصفة المذكورة وبهذا الترتيب.