للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، ووقع النهي لما جاءه الوحي والهدي من ربه تعالى. وأمر بالإسلام الذي هو الإيمان والأعمال. وقوله:

لِرَبِّ الْعالَمِينَ أي إن استسلم لرب العالمين واخضع له بالطاعة.

ثم بين تعالى أمر الوحدانية والألوهية بالعبرة في ابن آدم وتدريج خلقه، فأوله خلق آدم عليه السلام من تراب من طين لازب، فجعل البشر من التراب كما كان منسلا من المخلوق من التراب. وقوله تعالى:

مِنْ نُطْفَةٍ إشارة إلى التناسل من آدم فمن بعده. والنطفة: الماء الذي خلق المرء منه. والعلقة: الدم الذي يصير من النطفة. والطفل هنا: اسم جنس. وبلوغ الأشد: اختلف فيه: فقيل ثلاثون، وقيل ستة وثلاثون، وقيل أربعون، وقيل ستة وأربعون، وقيل عشرون، وقيل ثمانية عشر، وقيل خمسة عشر، وهذه الأقوال الأخيرة ضعيفة في الأشد.

وقوله تعالى: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ عبارة تتردد في الأدراج المذكورة كلها، فمن الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا، وآخرون قبل الأشد، وآخرون قبل الشيخوخة.

وقوله: وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى أي هذه الأصناف كلها مخلوقة ميسرة ليبلغ كل واحد منها أجلا مسمى لا يتعداه ولا يتخطاه ولتكون معتبرا. وَلَعَلَّكُمْ أيها البشر تَعْقِلُونَ الحقائق إذا نظرتم في هذا وتدبرتم حكمة الله تعالى.

قوله عز وجل:

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٦٨ الى ٧٤]

هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (٧٤)

قوله تعالى: فَإِذا قَضى أَمْراً عبارة عن إنقاذ الإيجاد، وإخراج المخلوق من العدم وإيجاد الموجودات هو بالقدرة، واقتران الأمر بذلك: هو عظمة في الملك وتخضيع للمخلوقات وإظهار للقدرة بإيجاده، والأمر للموجد إنما يكون في حين تلبس القدرة بإيجاده لا قبل ذلك، لأنه حينئذ لا يخاطب في معنى الوجود والكون ولا بعد ذلك، لأن ما هو كائن لا يقال له كُنْ.

وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ظاهر الآية أنها في الكفار المجادلين في رسالة محمد والكتاب الذي جاء به بدليل قوله: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ. وهذا قول ابن زيد والجمهور من المفسرين. وقال محمد بن سيرين وغيره، قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة، وروت هذه الفرقة في نحو هذا حديثا وقالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>