للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا على غير من تأول تقلب الوجه أنه الدعاء إلى الله عز وجل في الهداية إلى قبلة فإن مع الدعاء يستقيم أن يقلب وجهه في السماء المظلة حسب عادة الداعين إذ قد ألفوا مجيء النعم والآلاء من تلك الجهة، وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤود كأنه يصعد بها الهواء، ويَصَّعَّدُ معناه يعلو، ويَصَّعَّدُ معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه. ومنه قول عمر بن الخطاب:

«ما تصعدني شيء كما تصعدني خطبة النكاح» ، إلى غير ذلك من الشواهد، «ويصاعد» في المعنى مثل «يصعد» ، وقوله تعالى: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ أي وكما كان هذا كله من الهدى والضلال بإرادة الله عز وجل ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس، قال أهل اللغة الرِّجْسَ يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: الرِّجْسَ كل ما لا خير فيه وقال بعض الكوفيين: الرجس والنجس لغتان بمعنى، «ويجعل» في هذا الموضع يحسن أن تكون بمعنى يلقي كما تقول جعلت متاعك بعضه على بعض، وكما قال عز وجل وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ [الأنفال: ٣٧] .

قال القاضي أبو محمد: وهذا المعنى في جعل حكاه أبو علي الفارسي، ويحسن أن تكون يَجْعَلْ في هذه الآية بمعنى يصير ويكون المفعول الثاني في ضمن عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، كأنه قال قرين الذين أو لزيم الذين ونحو ذلك.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٧]

وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧)

هذا إشارة إلى القرآن والشرع الذي جاء به محمد عليه السلام، قاله ابن عباس، و «الصراط» الطريق، وإضافة الصراط إلى الرب على جهة أنه من عنده وبأمره ومُسْتَقِيماً حال مؤكدة وليست كالحال في قولك جاء زيد راكبا بل هذه المؤكدة تتضمن المعنى المقصود وفَصَّلْنَا معناه بينا وأوضحنا، وقوله لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أي للمؤمنين الذين يعدون أنفسهم للنظر ويسلكون طريق الاهتداء، والضمير في قوله لَهُمْ عائد على القوم المتذكرين والسَّلامِ يتجه فيه معنيان، أحدهما أن السلام اسم من أسماء الله عز وجل فأضاف «الدار» إليه هي ملكه وخلقه، والثاني أنه المصدر بمعنى السلامة، كما تقول السلام عليك، وكقوله عز وجل تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [يونس: ١٠] يريد في الآخرة بعد الحشر، ووَلِيُّهُمْ أي ولي الانعام عليهم، وبِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي مسبب ما كانوا يقدمون من الخير ويفعلون من الطاعة والبر.

قوله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>