للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتبعوني في اتباعي موسى، ثم زهد في الدنيا وأخبر أنه شيء يتمتع به قليلا، ورغب في الآخرة إذ هي دار الاستقرار.

وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو رجاء وشيبة والأعمش: «يدخلون» بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والأعرج والحسن وأبو جعفر وعيسى:

«يدخلون» بضم الياء وفتح الخاء.

قوله عز وجل:

[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٤١ الى ٤٥]

وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥)

قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصارا واقتضابا، وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دينهم: هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصارا، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.

وقوله: ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلا، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: لا جَرَمَ مذهب سيبويه والخليل أنها لا النافية دخلت على جَرَمَ، ومعنى: جَرَمَ ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر [أبو اسماء بن الضريبة] : [الكامل]

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ... جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا

أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأن الكلام نفي للكلام المردود عليه ب لا، وإثبات للمستأنف ب جَرَمَ و «أن» على هذا النظر في موضع رفع ب جَرَمَ، وكذلك أَنَّ الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن لا جَرَمَ بمعنى لا بد ولا محالة، ف أَنَّ على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. و «ما» بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.

وقوله: لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ أي قدر وحق يجب أن يدعى أحد إليه، فكأنه تدعونني إلى ما لا غناء له وبين أيدينا خطب جليل من الرد إلى الله. وأهل الإسراف والشرك: هم أصحاب النار بالخلود فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>