لما توعدهم بنفحة من عذاب الدنيا عقب ذلك بتوعد بوضع الْمَوازِينَ وإنما جمعها وهو ميزان واحد من حيث لكل أحد وزن يخصه ووحد الْقِسْطَ وهو جاء بلفظ الْمَوازِينَ مجموعا من حيث الْقِسْطَ مصدر وصف به كما تقول قوم عدل ورضى وقرأت فرقة «القصط» بالصاد، وقوله تعالى: لِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي لحساب يوم القيامة أو لحكم يوم القيامة فهو بتقدير حذف مضاف والجمهور على أن الميزان في يوم القيامة بعمود وكفتين توزن به الأعمال ليبين المحسوس المعروف عندهم، والخفة والثقل متعلقة بأجسام ويقرنها الله تعالى يومئذ بالأعمال فإما أن تكون صحف الأعمال أو مثالات تخلق أو ما شاء الله تعالى. وقرأ نافع وحده «مثقال» بالرفع على أن تكون كانَ تامة، وقرأ جمهور الناس «مثقال» بالنصب على معنى وإن كان الشيء أو العمل، وقرأ الجمهور «أتينا» على معنى جئنا، وقرأ ابن عباس ومجاهد وغيرهما «آتينا» على معنى «وآتينا» من المواتاة ولا يقدر تفسير آتينا بأعطينا لما تعدت بحرف جر.
قال القاضي أبو محمد: ويوهن هذه القراءة أن بدل الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة، وفي قوله وَكَفى بِنا حاسِبِينَ توعد، ثم عقب بالتمثيل بأمر موسى عليه السلام، والْفُرْقانَ فيما قالت فرقة التوراة وهي الضياء والذكر، وقرأ ابن كثير وحده «ضيئاء» بهمزتين قبل الألف وبعدها، وقرأ الباقون «ضياء» بهمزة واحدة بعد الألف، وقرأ ابن عباس «ضياء» بغير واو وهي قراءة عكرمة والضحاك وهذه القراءة تؤيد قول من قال المراد بذلك كله التوراة، وقالت فرقة الْفُرْقانَ هو ما رزقه الله من نصر وظهور حجة وغير ذلك مما فرق بين أمره وأمر فرعون، و «الضياء» التوراة و «الذكر» بمعنى التذكرة، وقوله تعالى: بِالْغَيْبِ يحتمل ثلاث تأويلات أحدها في غيبهم وخلواتهم وحيث لا يطلع عليهم أحد وهذا أرجحها، والثاني أنهم يخشون الله تعالى على أن أمره تعالى غائب وإنما استدلوا بدلائل لا بمشاهدة، والثالث أنهم يخشون الله ربهم بما أعلمهم به مما غاب عنهم من أمر آخرتهم ودنياهم. و «الإشفاق» أشد الخشية والسَّاعَةِ القيامة، وقوله تعالى: وَهذا إشارة إلى القرآن، وأَنْزَلْناهُ إما أن يكون بمعنى أتيناه كما تقول أنزل السلطان فلانا بمكان كذا إذا أثبته له، وإما أن يتعلق النزول بالملك، ثم وقفهم الله تعالى تقريرا وتوبيخا هل يصح لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل.