استفهاما في موضع رفع بالابتداء وجِئْتُمْ بِهِ الخبر والسِّحْرُ خبر ابتداء مضمر تقديره هو السحر إن الله سيبطله، ووجه استفهامه هذا هو التقرير والتوبيخ، ويجوز أن تكون ما في موضع نصب على معنى أي شيء جئتم والسِّحْرُ مرفوع على خبر الابتداء تقدير الكلام أي شيء جئتم به هو السحر، إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ، وأما من قرأ الاستفهام والمد قبل السِّحْرُ ف ما استفهام رفع بالابتداء وجِئْتُمْ بِهِ الخبر، وهذا على جهة التقرير، وقوله: السِّحْرُ استفهام أيضا كذلك، وهو بدل من الاستفهام الأول، ويجوز أن تكون ما في موضع نصب بمضمر تفسيره جِئْتُمْ بِهِ تقديره أي شيء جئتم به السحر، وقوله إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إيجاب عن عدة من الله تعالى، وقوله إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ، يصح أن يكون من كلام موسى عليه السلام، ويصح أن يكون ابتداء خبر من الله تعالى، وقوله وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ الآية، يحتمل أن يكون من كلام موسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون من إخبار الله عز وجل، وكون ذلك كله من كلام موسى أقرب وهو الذي ذكر الطبري، وأما قوله بِكَلِماتِهِ فمعناه بكلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك، قال ابن سلام بِكَلِماتِهِ بقوله: لا تخف، ومعنى وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ وإن كره المجرمون والمجرم: المجترم الراكب للخطر.
المعنى فما صدق موسى، ولفظة آمَنَ تتعدى بالباء، وتتعدى باللام وفي ضمن المعنى الباء، واختلف المتأولون في عود الضمير الذي في قَوْمِهِ فقالت فرقة: هو عائد على موسى، وقالت فرقة هو عائد على فِرْعَوْنَ، فمن قال إن العود على موسى قال معنى الآية وصف حال موسى في أول مبعثه أنه لم يؤمن به إلا فتيان وشباب أكثرهم أولو آباء كانوا تحت خوف من فرعون وملأ بني إسرائيل، فالضمير في «الملأ» عائد على «الذرية» وتكون الفاء على هذا التأويل عاطفة جملة على جملة لا مرتبة، وقال بعض القائلين بعود الضمير على موسى: إن معنى الآية أن قوما أدركهم موسى ولم يؤمنوا به وإنما آمن ذريتهم بعد هلاكهم لطول الزمان، قاله مجاهد والأعمش، وهذا قول غير واضح، وإذا آمن قوم بعد موت آبائهم فلا معنى لتخصيصهم باسم الذرية، وأيضا فما روي من أخبار بني إسرائيل لا يعطي هذا، وهيئة قوله فَما آمَنَ يعطي تقليل المؤمنين به لأنه نفى الإيمان ثم أوجبه للبعض ولو كان الأكثر مؤمنا لأوجب الإيمان أولا ثم نفاه عن الأقل، وعلى هذا الوجه يترجح قول ابن عباس في الذرية إنه القليل لا أنه أراد أن لفظة الذرية هي بمعنى القليل كما ظن مكي وغيره، وقالت فرقة إنما سماهم ذرية لأن أمهاتهم كانت من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط، فكان يقال لهم الذرية كما قيل لفرس اليمن الأبناء وهم الفرس المنتقلون مع وهرز