هذه السورة كانت تسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده، وهي مكية غير قوله تعالى وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا [النحل: ١٢٦] نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد، وغير قوله تعالى وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: ١٢٧] ، وغير قوله ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا [النحل: ١١٠] ، وأما قوله: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا [النحل: ٤١] فمكي في شأن هجرة الحبشة.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي: أَتى أَمْرُ اللَّهِ وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، فلما قال فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سكن. وقوله أَمْرُ اللَّهِ قال فيه جمهور المفسرين: إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار، وقيل: المراد نصر محمد عليه السلام، وقيل: المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد صلّى الله عليه وسلّم لهم وظهوره عليهم، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس، وقيل: المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم، هذا هو قول الضحاك، ويضعفه قوله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ إنا لا نعرف استعجالا الا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام، وقوله أَتى على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي، وصح ذلك من جهة التأكيد، وإذا كان الخبر حقا فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه، وقال قوم: أَتى بمعنى قرب، وهذا نحو ما قلت، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينة التأكيد ويفهم المجاز، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب، وإنما جاز في الشرط لوضوح القرينة «بأن» ، ومن قال: إن الأمر القيامة، قال: إن قوله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد، ومن قال: إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وقتله لهم، قال إن قوله فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ رد على القائلين عَجِّلْ لَنا قِطَّنا