شَهِيداً على كفرهم وإيمانهم، ف «شهيد» بمعنى، شاهد وذكر الطبري أن المعنى ثم ينكرونها اليوم وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً، أي ينكرون كفرهم فيكذبهم الشهيد وقوله ثُمَّ لا يُؤْذَنُ أي لا يؤذن لهم في المعذرة، وهذا في موطن دون موطن، لأن في القرآن أن كُلُّ نَفْسٍ تأتي تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها [النحل: ١١١] ويترتب أن تجيء كل نفس تجادل فإذا استقرت أقوالهم بعث الله الشهود من الأمم فتكذب الكفار، فلم يؤذن للمكذبين بعد في معذرة، ويُسْتَعْتَبُونَ معناه يعتبون، يقال أعتبت الرجل إذا كفيته ما عتب فيه، كما تقول أشكيته إذا كفيته ما شكا، فكأنه قال ولا هم يكفون ما يعتبون فيه ويشق عليهم والعرب تقول استفعل بمعنى أفعل، تقول أدنيت الرجل واستدنيته وقال قوم معناه لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدنيا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم، وقال الطبري معنى يُسْتَعْتَبُونَ يعطون الرجوع إلى الدنيا فيقع منهم توبة عمل. وقوله وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية أن هؤلاء الكفرة الظالمين في كفرهم إذا أراهم الله عذاب الله وشارفوها وتحققوا كنه شدتها، فإن ذلك الأمر الهائل الذي نزل بهم لا يخفف بوجه ولا يؤخر عنهم، وإنما مقصد الآية الفرق بين ما يحل بهم وبين رزايا الدنيا، فإن الإنسان لا يتوقع أمرا من خطوب الدنيا إلا وله طمع في أن يتأخر عنه وفي أن يجيئه في أخف ما يتوهم برجائه، وكذلك متى حل به كان طامعا في أن يخف، وقد يقع ذلك في خطوب الدنيا كثيرا، فأخبر الله تعالى أن عذاب الآخرة إذا عاينه الكافر لا طماعية فيه بتخفيف ولا بتأخير.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن المشركين إذا رأوا يوم القيامة بأبصارهم الأوثان والأصنام وكل معبود من دون الله لأنها تحشر معهم توبيخا لهم على رؤوس الأشهاد أشاروا إليهم وقالوا هؤلاء كنا نعبد من دون الله، أرادوا بذلك تذنيب المعبودين وإدخالهم في المعصية، وأضافوا الشركاء إلى أنفسهم من حيث هم جعلوهم شركاء، وهذا كما يصف رجل آخر بأنه خير فتقول أنت ما فعل خيرك فأضفته إليه من حيث وصفه هو بتلك الصفة، والضمير في «أقول» عائد على الشركاء، فمن كان من المعبودين من البشر ألقى القول المعهود بلسانه، وما كان من الجمادات تكلمت بقدرة الله بتكذيب المشركين في وصفهم بأنهم آلهة وشركاء لله، ففي هذا وقع الكذب لا في العبادة وقال الطبري: المعنى إنكم لكاذبون، ما كنا ندعوكم إلى عبادتنا.