للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري وابن سلام وعَسى من الله واجبة والمعنى: وهو قريب.

قال القاضي أبو محمد: وهذه إنما هي من النبي عليه السلام، ولكنها بأمر الله، فيقربها ذلك من الوجوب، وكذلك قال عليه السلام «بعثت أنا والساعة كهاتين» ، وفي ضمن اللفظ توعد لهم.

قوله عز وجل:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٢ الى ٥٥]

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢) وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)

يَوْمَ: بدل من قوله قَرِيباً [الإسراء: ٥١] ، ويظهر أن يكون المعنى: هو يوم، جوابا لقولهم:

مَتى هُوَ [ذاته] ويريد: يدعوكم من قبوركم بالنفخ في الصور، ليقام الساعة، وقوله فَتَسْتَجِيبُونَ أي بالقيام والعودة والنهوض نحو الدعوة، وقوله: بِحَمْدِهِ، حكى الطبري عن ابن عباس أنه قال معناه:

بأمره، وكذلك قال ابن جريج، وقال قتادة معناه: بطاعته ومعرفته، وهذا كله تفسير لا يعطيه اللفظ ولا شك أن جميع ذلك بأمر الله تعالى وإنما معنى بِحَمْدِهِ: إما أن جميع العالمين، كما قال ابن جبير، يقومون وهم يحمدون الله ويحمدونه لما يظهر لهم من قدرته، وإما أن قوله بِحَمْدِهِ هو كما تقول لرجل خصمته وحاورته في علم قد أخطأت بحمد الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم في هذه الآيات:

عسى، أن الساعة قريبة، يوم تدعون فيقومون بخلاف ما تعتقدون الآن، وذلك بحمد الله على صدق خبري، نحا هذا المنحى الطبري ولم يخلصه، وقوله تعالى: وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا يحتمل معنيين:

أحدهما أنه أخبر أنهم لما رجعوا إلى حالة الحياة، وتصرف الأجساد، وقع لهم ظن أنهم لم ينفصلوا عن حال الدنيا إلا قليلا لمغيب علم مقدار الزمن عنهم، إذ من في الآخرة لا يقدر زمن الدنيا، إذ هم لا محالة أشد مفارقة لها من النائمين، وعلى هذا التأويل عول الطبري، واحتج بقوله تعالى: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [المؤمنون: ١١٢- ١١٣] ، والآخر: أن يكون الظن بمعنى اليقين فكأنه قال لهم: يوم تدعون فتستجيبون بحمد الله، وتتيقنون أنكم إنما لبثتم قليلا، من حيث هو منقض منحصر، وهذا كما يقال في الدنيا بأسرها: متاع قليل، فكأنه قلة قدر على أن الظن بمعنى اليقين يقلق هاهنا لأنه في شيء قد وقع، وإنما يجيء الظن بمعنى اليقين فيما لم يخرج بعد إلى الكون والوجود، وفي الكلام تقوية للبعث، كأنه يقول: أنت أيها المكذب بالحشر، الذي تعتقد أنك لا تبعث أبدا، لا بد أن تدعى للبعث، فتقوم، وترى أنك إنما لبثت قليلا منقضيا منصرما، وحكى الطبري عن قتادة أنهم لما رأوا هول يوم القيامة احتقروا الدنيا فظنوا أنهم لبثوا فيها قليلا. وقوله تعالى: وَقُلْ لِعِبادِي الآية اختلف النحويون في قوله يَقُولُوا فمذهب سيبويه، أنه جواب شرط مقدر تقديره: وقل لعبادي: إنك إن تقل لهم يقولوا، وهذا على أصله، في أن الأمر لا يجاب، وإنما يجاب معه شرط مقدر، ومذهب الأخفش: أن الأمر

<<  <  ج: ص:  >  >>