للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله وَكانُوا يَتَّقُونَ لفظ عام في تقوى الشرك والمعاصي.

قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]

لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦)

أما بشرى الآخرة فهي بالجنة قولا واحدا وتلك هي الفضل الكبير الذي في قوله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً [الأحزاب: ٤٧] وأما بشرى الدنيا فتظاهرت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء وعمران بن حصين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وغيرهم على أنه سئل عن ذلك ففسره بالرؤيا، وعن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال: «لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة» ، وروت عنه أم كرز الكعبية أنه قال: «ذهبت النبوءة وبقيت المبشرات» ، وقال قتادة والضحاك:

البشرى في الدنيا هي ما يبشر به المؤمن عند موته وهو حي عند المعاينة.

قال القاضي أبو محمد: ويصح أن تكون بشرى الدنيا في القرآن من الآيات المبشرات، ويقوى ذلك بقوله في هذه الآية تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

وإن كان ذلك كله يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«هي الرؤيا» إلا إن قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى مثالا من البشرى وهي تعم جميع الناس، وقوله تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

يريد لا خلف لمواعيده ولا رد في أمره.

قال القاضي أبو محمد: وقد أخذ ذلك عبد الله بن عمر على نحو غير هذا وجعل التبديل المنفي في الألفاظ وذلك أنه روي: أن الحجّاج بن يوسف خطب فأطال خطبته حتى قال: إن عبد الله بن الزبير قد بدل كتاب الله، فقال له عبد الله بن عمر: إنك لا تطيق ذلك أنت ولا ابن الزبير تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ

، فقال له الحجاج: لقد أعطيت علما فلما انصرف إليه في خاصته سكت عنه، وقد روي هذا النظر عن ابن عباس في غير مقاولة الحجّاج، ذكره البخاري، وقوله لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

إشارة إلى النعيم الذي به وقعت البشرى. وقوله: وَلا يَحْزُنْكَ، الآية. هذه آية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، المعنى ولا يحزنك يا محمد ويهمك قولهم، أي قول كفار قريش، ولفظة القول تعم جحودهم واستهزاءهم وخداعهم وغير ذلك، ثم ابتدأ بوجوب إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً، أي فهم لا يقدرون على شيء ولا يؤذونه إلا بما شاء الله وهو القادر على عقابهم لا يعازه شيء، ففي الآية وعيد لهم، وكسر إِنَّ في الابتداء ولا ارتباط لها بالقول المتقدم لها، وقال ابن قتيبة لا يجوز فتح «إن» في هذا الموضع وهو كفر.

قال القاضي أبو محمد: وقوله هو كفر غلو، وكأن ذلك يخرج على تقدير لأجل أن العزة لله، وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>