قال القاضي أبو محمد: وهذا معناه لا تبديل للمعتقدات التي هي في الدين الحنيف فإن كل شريعة هي عقائدها، وذهب بعض المفسرين في هذه الآية إلى تأويلات منها قول عكرمة، وقد روي عن ابن عباس لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ معناه النهي عن خصاء الفحول من الحيوان، ومنها قول بعضهم في الفطرة الملة على أنه قد قيل في الفطرة الدين وتأول قوله فَطَرَ النَّاسَ على الخصوص أي المؤمنين، وقيل «الفطرة» هو العهد الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم حين أخرجهم نسما من ظهره، ونحوه حديث معاذ بن جبل حين مر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال يا معاذ ما قوام هذه الأمة؟ قال: الإخلاص وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والصلاة وهي الدين والطاعة وهي العصمة فقال عمر: صدقت، والْقَيِّمُ بناء مبالغة من القيام الذي هو بمعنى الاستقامة، وقوله مُنِيبِينَ يحتمل أن يكون حالا من قوله فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا سيما على رأي من رأى أن ذلك خصوص في المؤمنين، ويحتمل أن يكون حالا من قوله «أقم وجهك» وجمعه لأن الخطاب بإقامة الوجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، نظيرها قوله يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: ١] ، والمنيب الراجع المخلص المائل إلى جهة ما بوده ونفسه، و «المشركون» المشار إليهم في هذه الآية هم اليهود والنصارى، قاله قتادة وقال ابن زيد: هم اليهود، وقالت عائشة وأبو هريرة: هي في أهل القبلة.
قال الفقيه الإمام القاضي: فلفظة الإشراك على هذا فيها تجوز فإنهم صاروا في دينهم فرقا، و «الشيع» الفرق واحدها «شيعة» ، وقوله كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ معناه أنهم مفتونون بآرائهم معجبون بضلالهم، وذلك أضل لهم، وقرأت فرقة «فارقوا دينهم» بالألف.
هذا ابتداء إنحاء على عبدة الأصنام المشركين بالله عز وجل غيره بين الله تعالى لهم أنهم كسائر البشر في أنهم إذا مسهم ضُرٌّ دَعَوْا الله وتركوا الأصنام مطرحة ولهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع، ف إِذا أَذاقَهُمْ رحمته أي باشرهم أمره بها، والذوق مستعار، إذا طائفة تشرك به أصناما ونحو هذا، وإِذا للمفاجأة فلذلك صلحت في جواب إِذا الأولى بمنزلة الفاء وهذه الطائفة هي عبدة الأصنام.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويلحق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين إذا جاءهم فرج بعد شدة فعلقوا ذلك بمخلوقين أو بحذق آرائهم وغير ذلك لأن فيه قلة شكر لله تعالى، ويسمى تشريكا مجازا، وقوله تعالى لِيَكْفُرُوا اللام لام كي، وقالت فرقة هي لام الأمر على جهة الوعيد والتهديد، وأما قوله تعالى: فَتَمَتَّعُوا فأمر على جهة الوعيد، والتقدير قل لهم يا محمد فَتَمَتَّعُوا وقرأ أبو العالية «فيتمتعوا» بياء قبل التاء وذلك عطف على لِيَكْفُرُوا أي لتطول أعمارهم