للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب: ٥٣] فقيل لهم في هذه إن الله يعلم ما تخفونه من هذه المعتقدات والخواطر المكروهة ويجازيكم عليها، ثم ذكر تعالى الإباحة فيمن سمي من القرابة إذ لا تقضي أحوال البشر إلا مداخلة من ذكر وكثرة ترداده وسلامة نفسه من أمر الغزل لما تتحاماه النفوس من ذوات المحارم، فمن ذلك الآباء والأولاد والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات، وقوله: وَلا نِسائِهِنَّ دخل فيه الأخوات والأمهات وسائر القرابات ومن يتصل من المتصرفات لهن، هذا قول جماعة من أهل العلم، ويؤيد قولهم هذه الإضافة المخصصة في قوله نِسائِهِنَّ وقال ابن زيد وغيره إنما أراد جميع النساء المؤمنات وتخصيص الإضافة إنما هو في الإيمان، وقوله تعالى: وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ قالت طائفة من الإماء دون العبيد، وقالت طائفة من العبيد والإماء، ثم اختلفت هذه الطائفة، فقالت فرقة: ما ملكت من العبيد دون من ملك سواهن، وقالت فرقة: بل من جميع العبيد كان في ملكهن أو في ملك غيرهن، والكاتب إذا كان معه ما يؤدي فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه، وفعلت ذلك أم سلمة مع مكاتبها نبهان، ذكره الزهراوي، وقالت فرقة دخل الأعمام في الآباء، وقال الشعبي وعكرمة لم يذكرهم لإمكان أن يصفوا لأبنائهم، وكذلك الخال وكرها أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، واختلف المتأولون في المعنى الذي رفع فيه الجناح بهذه الآية فقال قتادة هو الحجاب، أي أبيح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون حجاب ورؤيتهن، وقال مجاهد ذلك في رفع الجلباب وإبداء الزينة، ولما ذكر تعالى الرخصة في هذه الأصناف وانجزمت الإباحة عطف بأمرهن بالتقوى عطف جملة على جملة وهذا في نهاية البلاغة والإيجاز، كأنه قال اقتصرن على هذا وَاتَّقِينَ اللَّهَ تعالى فيه أن تتعدينه إلى غيره، ثم توعد تعالى بقوله وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً.

قوله عز وجل:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨)

هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام وذكر منزلته منه وطهر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء في أمر أزواجه ونحو ذلك، وقوله يُصَلُّونَ، قالت فرقة الضمير فيه لله وللملائكة، وهذا قول من الله تعالى شرف به ملائكته فلا يصحبه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند النبي صلى الله عليه وسلم: من أطاع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد ضل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «بئس الخطيب أنت» قالوا لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير واحد ولله تعالى أن يفعل من ذلك ما شاء، وقالت فرقة: في الكلام حذف تقديره إن الله يصلي على النبي وملائكته يصلون، ودل الظاهر من القول على ما ترك، وليس في الآية اجتماع في ضمير، وقالت فرقة: بل جمع الله

<<  <  ج: ص:  >  >>