للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قوم يعبدون أصناما على صفة البقر، وقيل كانت بقرا حقيقة علم أنه سيفتنهم من هذه الطريق، فيروى أنه قال لهم إن الحلي الذي عندكم من مال القبط قبيح بكم حبسه ولكن اجمعوه عندي حتى يحكم الله لكم فيه، وقيل إن هارون عليه السلام أمرهم بجمعه ووضعه في حفرة حتى يجيء موسى ويستأذن فيه ربه، وقيل بل كان المال الذي جمعوه للسامري مما لفظ البحر من أموال القبط الغارقين مع فرعون، فروي مع هذا الاختلاف أن الحلي اجتمع عند العجل وأنه صاغ العجل وألقى القبضة فيه فخار، وروي وهو الأصح الأكثر أنه ألقى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وألقى هو عليه القبضة فتجسد العجل وهذا وجه فتنة الله تعالى لهم، وعلى هذا تقول انخرقت للسامري عادة وأما على أن يصوغه فلم تتخرق له عادة وإنما فتنوا حينئذ بخواره فقط وذلك الصوت قد تولد في الأجرام بالصنعة فلما أخبره الله تعالى رجع موسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً عليهم من حيث له قدرة على تغيير منكرهم أَسِفاً أي حزينا من حيث علم أنه موضع عقوبة مأموله فدفعها ولا بد منها، والأسف في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن، وتأمل ذلك فهو مطرد إن شاء الله عز وجل.

قوله عز وجل:

قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ....

وبخ موسى عليه السلام قومه بهذه المقالة و «الوعد الحسن» هو ما وعدهم من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى به أهل طاعته، وقوله وَعْداً إما أن يكون نصبا على المصدر والمفعول الثاني مقدرا، وإما أن يكون بمعنى الموعود ويكون هو المفعول الثاني بعينه، ثم وقفهم على أعذار لم تكن ولا تصح لهم وهي طول «العهد» حتى يتبين لهم خلف في الموعد أو إرادة غضب الله تعالى. وذلك كله لم يكن ولكنهم عملوا عمل من لم يتدين وسمي العذاب «غضبا» من حيث هو عن الغضب، والغضب إن جعل بمعنى الإرادة فهو صفة ذات وإن جعل ظهور النقمة والعقاب فهو صفة فعل فهو من المتردد بين الحالين قوله عز وجل:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]

قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨)

وقرأ نافع وعاصم «بملكنا» بفتح الميم، وقرأ حمزة والكسائي «بملكنا» بضمة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «بملكنا» بكسرة، قال أبو علي هذه لغات ع ظاهر هذا الكلام أنها بمعنى واحد ولكن إن أبا علي وغيره قد فرق بين معانيها فأما ضم الميم فمعناه على قول أبي علي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك بقوته وسلطانه وإنما أخلفناه بنظر أدى إليه ما فعل السامري وليس المعنى أن لهم ملكا وإنما هذا كقول ذي الرمة: [البسيط]

لا يشتكي سقط منها وقد رقصت ... بها المفاوز حتى ظهرها حدب

إذ لا تكون منها سقطة فتشتكي، قال وهذا كقوله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: ٢٧٣] أي ليس منهم سؤال فيكون منهم إلحاف ع وهذا كله في هذه الأمثلة غير متيقن من قول أبي علي وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>