شربا أسقيته، وهذا قول من قرأ «نسقيكم» ، لأن ألبان الأنعام من المستمر للبشر، وأنشد من قال إنهما لغتان بمعنى، قول لبيد:[الوافر]
سقى قومي بني بدر وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
وذلك لازم لأنه لا يدعو لقومه بالقليل، وقرأ أبو رجاء «يسقيكم» بالياء أي يسقيكم الله، وقرأت فرقة «تسقيكم» بالتاء وهي ضعيفة وكذلك اختلف القراء في سورة المؤمنين وقوله مِمَّا فِي بُطُونِهِ، الضمير عائد على الجنس وعلى المذكور كما قال الشاعر: مثل الفراخ نتفت حواصله، وهذا كثير لقوله تعالى إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ [الإنسان: ٢٩] فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ [المدثر: ٥٥] وقيل: إنما قال: مِمَّا فِي بُطُونِهِ، لأن الأنعام والنعم واحد فرد الضمير على معنى النعم وقالت فرقة: الضمير عائد على البعض، إذ الذكور لا ألبان لها، فكأن العبرة إنما هي في الأنعام، و «الفرث» ما ينزل إلى الأمعاء، و «السائغ» السهل في الشرب اللذيذ، وقرأت فرقة «سيّغا» بشد الياء، وقرأ عيسى الثقفي «سيغا» بسكون الياء وهي تخفيف من سيغ كميت وهين، وليس وزنهما فعلا، لأن اللفظة واوية، ففعل منها سوغ، وروي أن اللبن لم يشرق به أحد قط، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الطبري: التقدير وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ ما تَتَّخِذُونَ، وقالت فرقة: التقدير وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ شيء تَتَّخِذُونَ مِنْهُ، ويجوز أن يكون قوله: وَمِنْ ثَمَراتِ، عطفا على الْأَنْعامِ [النحل: ٦٦] أي ولكم من ثمرات النخيل والأنعام عبرة، ويجوز أن يكون عطفا على مِمَّا [النحل: ٦٦] ، أي ونسقيكم أيضا مشروبات من ثمرات، والسكر ما يسكر، هذا هو المشهور في اللغة، فقال ابن عباس: نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر، وأراد بالسكر الخمر، وبالرزق الحسن جميع ما يشرب ويؤكل حلالا من هاتين الشجرتين وقال بهذا القول ابن جبير وإبراهيم والشعبي وأبو زيد، وقال الحسن بن أبي الحسن: ذكر الله نعمته في السكر قبل تحريم الخمر، وقال الشعبي ومجاهد: السكر السائغ من هاتين الشجرتين كالخل والرب والنبيذ، و «الرزق الحسن» العنب والتمر، قال الطبري: والسكر أيضا في كلام العرب ما يطعم، ورجح الطبري هذا القول، ولا مدخل للخمر فيه ولا نسخ من الآية شيء، وقال بعض الفرقة التي رأت السكر الخمر: إن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر، وفي هذه المقالة درك، لأن النسخ إنما يكون في حكم مستقر مشروع، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «حرمت الخمر