قوله عز وجل: نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يحتمل أن يريد محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن، وهذا هو ظاهر الألفاظ، ويحتمل أن يريد موسى عليه السلام والتوراة، أي ولو اتبعتموها حق الاتباع لآمنتم بمحمد، إذ هي آمرة بذلك مبشرة به قوله عز وجل:
وقرأ عبيد بن عمير والزهري وسلام وحميد ومسلم بن جندب «به الله» بضم الهاء حيث وقع مثله، واتَّبَعَ رِضْوانَهُ معناه بالتكسب والنية والإقبال عليه، والسبل الطرق، والقراءة في «رضوان» بضم الراء وبكسرها وهما لغتان، وقد تقدم ذكر ذلك وقرأ ابن شهاب والحسن بن أبي الحسن «سبل» ساكنة الباء. والسَّلامِ في هذه الآية يحتمل أن يكون اسما من أسماء الله تعالى، فالمعنى طرق الله تعالى التي أمر بها عباده وشرعها لهم، ويحتمل أن يكون مصدرا كالسلامة فالمعنى طرق النجاة والسلامة من النار. وقوله تعالى: وَيُخْرِجُهُمْ يعني المتبعين الرضوان، فالضمير على معنى من لا على لفظها، والظُّلُماتِ الكفر، والنُّورِ الإيمان، وقوله تعالى: بِإِذْنِهِ أي يمكنهم من أقوال الإيمان وأفعاله، ويعلم فعلهم لذلك والتزامهم إياه، فهذا هو حد الإذن، العلم بالشيء والتمكين منه، وقد تقدم شرحه في سورة البقرة والصراط المستقيم هو دين الله وتوحيده وما تركب عليه من شرعه.
ثم أخبر تعالى بكفر النصارى القائلين بأن الله هو المسيح، وهذه فرقة من النصارى وكل فرقهم على اختلاف أقوالهم يجعل للمسيح عليه السلام حظا من الألوهية، وقد تقدم القول في لفظ الْمَسِيحُ في سورة آل عمران، ثم رد عليهم تعالى قوله لنبيه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي لا مالك ولا رادّ لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره فهذا مما تقضي العقول معه أن من تنفذ الإرادة فيه ليس بإله، ثم قرر تعالى ملكه في السموات والأرض وما بينهما فحصل المسيح عليه السلام أقل أجزاء ملك الله تعالى، وقوله تعالى: يَخْلُقُ ما يَشاءُ إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد. بل اختراعا كآدم عليه السلام، وقد تقدم في آل عمران الفرق بين قوله تعالى في قصة زكرياء يَفْعَلُ ما يَشاءُ [آل عمران: ٤٠] وفي قصة مريم يَخْلُقُ ما يَشاءُ وقوله تعالى: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عموم معناه الخصوص في ما عدا الذات والصفات والمحالات، والشيء في اللغة هو الموجود.