للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرف، وإنما جازت هنا لأن تعرف التلاوة بإضافتها إلى الضمير ليس بتعرف محض، وإنما هو بمنزلة قولهم رجل واحد أمة، ونسيج وحده، والضمير في بِهِ عائد على الْكِتابَ، وقيل: يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، لأن متبعي التوراة يجدونه فيها فيؤمنون به.

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل عندي أن يعود الضمير على الْهُدى الذي تقدم، وذلك أنه ذكر كفار اليهود والنصارى في أول الآية وحذر رسوله من اتباع أهوائهم، وأعلمه بأن هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى الذي أعطاه وبعثه به، ثم ذكر له أن المؤمنين التالين لكتاب الله هم المؤمنون بذاك الهدى المقتدون بأنواره، والضمير في يَكْفُرْ بِهِ يحتمل من العود ما ذكر في الأول، وفَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ابتداء وعماد وخبر، أو ابتداء وابتداء وخبر، والثاني وخبره خبر الأول، والخسران نقصان الحظ.

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٢ الى ١٢٤]

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

قرأ الحسن وغيره «نعمتي» بتسكين الياء تخفيفا، لأن أصلها التحريك كتحريك الضمائر لك وبك، ثم حذفها الحسن للالتقاء، وفي السبعة من يحرك الياء، ومنهم من يسكنها، وإن قدرنا فضيلة بني إسرائيل مخصوصة في كثرة الأنبياء وغير ذلك فالعالمون عموم مطلق، وإن قدرنا تفضيلهم على الإطلاق فالعالمون عالمو زمانهم، لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم بالنص، وقد تقدم القول على مثل هذه الآية إلى قوله: يُنْصَرُونَ ومعنى لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ أي ليست ثم، وليس المعنى أنه يشفع فيهم أحد فيرد، وإنما نفى أن تكون ثم شفاعة على حد ما هي في الدنيا، وأما الشفاعة التي هي في تعجيل الحساب فليست بنافعة لهؤلاء الكفرة في خاصتهم، وأما الأخيرة التي هي بإذن من الله تعالى في أهل المعاصي من المؤمنين فهي بعد أن أخذ العقاب حقه، وليس لهؤلاء المتوعدين من الكفار منها شيء.

والعامل في إِذِ فعل، تقديره: واذكر إذ، وابْتَلى معناه اختبر، وإِبْراهِيمَ يقال إن تفسيره بالعربية أب رحيم، وقرأ ابن عامر في جميع سورة البقرة «أبراهام» ، وقدم على الفاعل للاهتمام، إذ كون الرب مبتليا معلوم، فإنما يهتم السامع بمن ابْتَلى، وكون ضمير المفعول متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام.

واختلف أهل التأويل في الكلمات، فقال ابن عباس: هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلوات الله عليه، عشرة منها في براءة التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ

[التوبة: ١١٢] ، وعشرة في الأحزاب إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [الأحزاب: ٣٥] ، وعشرة في سَأَلَ سائِلٌ [المعارج: ١] ، وقال ابن عباس أيضا وقتادة: الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس المضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وفرق الرأس، وقيل بدل فرق الراس: إعفاء اللحية، وخمس في الجسد تقليم الظفر،

<<  <  ج: ص:  >  >>