التفاتة بليغة، واعتراضا بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم. وحكى الطبري عن قتادة وابن جريج، أنهما كانا يتأولان قول المنافق يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغيبة، وقرأ الحسن لَيَقُولَنَّ بضم اللام على معنى «من» وضم اللام لتدل على الواو المحذوفة. ويدل مجموع هاتين الآيتين على أن خارج المنافقين فإنما كان يقصد الغنيمة، ومتخلفهم إنما كان يقصد الشك وتربص الدوائر بالمؤمنين وكَأَنْ مضمنة معنى التشبيه، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر، وإنما تجيء بعدها الجمل، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص «تكن» بتاء، وقرأ غيرهما «يكن» بياء، وذلك حسن للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، وقوله: فَأَفُوزَ نصب بالفاء في جواب التمني، وقرأ الحسن ويزيد النحوي فَأَفُوزَ بالرفع على القطع والاستئناف، التقدير: فأنا أفوز. قال روح: لم يجعل ل «ليت» جوابا. وقال الزجّاج: إن قوله: كأن لم يكن بينكم وبينه مودة مؤخر. وإنما موضعه فإن أصابتكم مصيبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لأنه يفسد فصاحة الكلام.
هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله، ويَشْرُونَ معناه: يبيعون في هذا الموضع، وإن جاء في مواضع: يشترون، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى «يبيعون» ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله، فذكر غايتي حالتيه، واكتفى بالغايتين عما بينهما، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق، «والأجر العظيم» : الجنة، وقالت فرقة، «فليقاتل» بسكون لام الأمر، وقرأت فرقة «فليقاتل» بكسرها، وقرأ محارب بن دثار «فيقتل أو يغلب» على بناء الفعلين للفاعل، وقرأ الجمهور نُؤْتِيهِ بالنون، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف «فسوف يؤتيه» بالياء.
وقوله تعالى: وَما لَكُمْ اللام متعلقة بما يتعلق بالمستفهم عنه من معنى الفعل، تقديره وأي شيء موجود أو كائن أو نحو ذلك لكم، ولا تُقاتِلُونَ في موضع نصب على الحال، تقديره تاركين أو مضيعين. وقوله: وَالْمُسْتَضْعَفِينَ عطف على اسم الله تعالى، أي وفي سبيل المستضعفين، وقيل:
عطف على «السبيل» ، أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم، ويعني ب الْمُسْتَضْعَفِينَ من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم لا يستطيعون خروجا، ولا يطيب لهم على الأذى إقامة، وفي هؤلاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أنج سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج