هذا خطاب للمخلصين من أمة محمد عليه السلام، وأمر لهم بجهاد الكفار، والخروج في سبيل الله، وحماية الشرع، وخُذُوا حِذْرَكُمْ، معناه: احزموا واستعدوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السلاح وغيره، وانْفِرُوا معناه: اخرجوا مجدين مصممين، يقال: نفر الرجل ينفر بكسر الفاء نفيرا، ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفورا، وثُباتٍ معناه: جماعات متفرقات، فهي كناية عن السرايا وجَمِيعاً، معناه: الجيش الكثيف مع النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا قال ابن عباس وغيره، والثبة:
حكي أنها فوق العشرة من الرجال، وزنها فعلة بفتح العين، أصلها ثبوة، وقيل: ثبية، حذفت لامها بعد أن تحركت وانقلبت ألفا حذفا غير مقبس، ولذلك جمعت ثبون، بالواو والنون عوضا من المحذوف وكسر أولها في الجمع دلالة على خروجها عن بابها، لأن بابها أن تجمع بالتاء أبدا، فيقال: ثُباتٍ، وتصغر ثبية أصلها ثبيوة، وأما ثبة الحوض وهي وسطه الذي يثوب الماء إليه، فالمحذوف منها العين، وأصلها ثوبة وتصغيرها ثوبية، وهي من ثاب يثوب، وكذلك قال أبو علي الفارسي في بيت أبي ذؤيب:[الطويل]
فلمّا جلاها بالأيام تحيّزت ... ثبات عليها ذلّها واكتئابها
انه اسم مفرد ليس يجمع سيق على الأصل، لأن أصل ثبة ثبوة، تحركت بالواو وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا، فساقها أبو ذؤيب في هذه الحال.
وقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْكُمْ إِنَّ إيجاب، والخطاب لجماعة المؤمنين، والمراد ب «من» المنافقون، وعبر عنهم ب مِنْكُمْ إذ هم في عداد المؤمنين، ومنتحلون دعوتهم، واللام الداخلة على «من» لام التأكيد، دخلت على اسم إِنَّ لما كان الخبر متقدما في المجرور، وذلك مهيع في كلامهم، كقولك: إن في الدار لزيدا، واللام الداخلة على لَيُبَطِّئَنَّ لام قسم عند الجمهور، تقديره وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ والله لَيُبَطِّئَنَّ وقيل: هي لام تأكيد، ولَيُبَطِّئَنَّ معناه: يبطىء غيره أي يثبطه ويحمله على التخلف عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ مجاهد «ليبطئن» بالتخفيف في الطاء، ومُصِيبَةٌ يعني من قتل واستشهاد، وإنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين ونظرهم الفاسد، أو على أن الموت كله مصيبة كما شاءه الله تعالى، وإنما الشهادة في الحقيقة نعمة لحسن مآلها، وشَهِيداً معناه مشاهدا فالمعنى: أن المنافق يسره غيبه إذا كانت شدة وذلك يدل على أن تخلفه إنما هو فزع من القتال ونكول عن الجهاد.
وقوله تعالى: وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ الآية، المعنى ولئن ظفرتم وغنمتم وكل ذلك من فضل الله، ندم المنافق إن لم يحضر ويصب الغنيمة، وقال: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً، متمنيا شيئا قد كان عاهد أن يفعله ثم غدر في عهده، لأن المؤمن إنما يتمنى مثل هذا إذا كان المانع له من الحضور عذرا واضحا، وأمرا لا قدرة له معه، فهو يتأسف بعد ذلك على فوات الخير، والمنافق يعاطي المؤمنين المودة، ويعاهد على التزام كلف الإسلام، ثم يتخلف نفاقا وشكا وكفرا بالله ورسوله، ثم يتمنى عند ما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين، فعلى هذا يجيء قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ